هذه المدرسة بدرب ملوخيا من القاهرة (١)، بناها القاضي الفاضل عبد الرّحيم بن عليّ البيساني (a) كاتب السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب ووزيره، وهي (a) بجوار داره في سنة ثمانين وخمس مائة، ووقفها على طائفتي الفقهاء الشّافعيّة والمالكيّة، وجعل فيها قاعة للإقراء:
أقرأ فيها الإمام أبو محمد الشّاطبيّ ناظم «الشّاطبيّة»(٢) ثم تلميذه أبو عبد اللّه محمد بن عمر القرطبي، ثم الشّيخ عليّ بن موسى الدّهّان وغيرهم. ورتّب لتدريس فقه المذهبين الفقيه أبا القاسم عبد الرّحمن بن سلامة الإسكندراني (٣).
ووقف بهذه المدرسة جملة عظيمة من الكتب في سائر العلوم، يقال إنّها كانت مائة ألف مجلّدة، وقد ذهبت كلّها (b). وكان أصل ذهابها أنّ الطلبة التي كانت بها لمّا وقع الغلاء بمصر في سنة أربع وتسعين وستّ مائة، والسّلطان يومئذ الملك العادل كتبغا المنصوري، مسّهم الضّرّ، فصاروا يبيعون كلّ مجلّد برغيف خبز حتى ذهب معظم ما كان فيها من الكتب، ثم تداولت أيدي الفقهاء عليها بالعارية فتفرّقت.
وبها إلى الآن «مصحف قرآن» كبير القدر جدّا، مكتوب بالخطّ الأوّل الذي يعرف بالكوفي، تسمّيه الناس «مصحف عثمان بن عفّان» - ويقال إنّ القاضي الفاضل اشتراه بنيف وثلاثين ألف دينار على أنّه مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفّان ﵁ وهو في خزانة مفردة له بجانب المحراب من غربيه. (c) وقد رأيت أنا هذا المصحف المذكور مرارا وعليه هيبة وجلاله (c) (٤).
(a) (a-a) إضافة من المسوّدة. (b) المسوّدة: وقد ذهب معظمها. (c) (c-c) إضافة من مسودّة الخطط ٨٣ ظ؛ وفي المبيّضة عوضا عن ذلك: وعليه مهابة وجلالة. (١) انظره فيما تقدم ١١١: ٣. (٢) الشّاطبيّة. قصيدة في علم القراءات، تعرف أيضا ب «حرز الأماني ووجه التهاني»، نظمها الإمام أبو محمد القاسم بن فيّرة بن خلف بن أحمد الرّعيني الشّاطبي، المتوفى سنة ٥٩٠ هـ/ ١١٩٤ م. (ياقوت: معجم الأدباء ٢٩٣: ١٦ - ٢٩٦؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٧١: ٤ - ٧٣؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ١٤٦: ٢٤ - ١٤٨). (٣) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٨٨؛ وانظر ترجمة عبد الرحمن بن سلامة الإسكندراني عند الصفدي: الوافي بالوفيات ٣٤٦: ١٨. (٤) انظر فيما تقدم ٣٣.