وحدّها طولا فيما وراء ذلك إلى خطّ باب القنطرة. وكانت هذه الحارة تعرف بحارة الرّيحانيّة والوزيرية - وهما طائفتان من طوائف عسكر الخلفاء الفاطميين - فإنّ بها كانت مساكنهم، وكان فيها لهاتين الطّائفتين دور عظيمة وحوانيت عدّة (a). وقيل لها أيضا «بين الحارتين»، واتّصلت العمارة إلى السّور، (b)) ثم عرفت في الدّولة الأيّوبيّة بحارة بهاء الدّين، وهو الأمير بهاء الدّين قراقوش (b)» (١).
ولم تزل الرّيحانيّة والوزيرية بهذه الحارة إلى أن كانت واقعة السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب بالعبيد.
[ذكر واقعة العبيد -]
وسببها أنّ مؤتمن الخلافة جوهرا - أحد الأستاذين المحنّكين بالقصر - تحدّث في إزالة صلاح الدّين يوسف بن أيّوب من وزارة الخليفة العاضد لدين اللّه عند ما ضايق أهل القصر وشدّد عليهم، واستبدّ بأمر (c) الدّولة وأضعف جانب الخلافة، وقبض على أكابر أهل الدّولة.
فصار مع جوهر عدّة من الأمراء المصريين والجند، واتّفق رأيهم أن يبعثوا إلى الفرنج ببلاد السّاحل يستدعونهم إلى القاهرة، حتى إذا خرج صلاح الدّين لقتالهم (d) بعسكره، ثاروا هم في القاهرة (e)، واجتمعوا مع الفرنج على إخراجه من مصر.
فسيّروا رجلا إلى الفرنج، وجعلوا كتبهم التي معه في نعل، وحفظت بالجلد مخافة أن يفطن بها. فسار الرّجل إلى بئر (f) البيضاء (٢) قريبا من بلبيس، فإذا بعض أصحاب صلاح الدّين هناك، فأنكر أمر الرّجل من أجل أنّه جعل النّعلين في يده، ورآهما وليس فيهما أثر المشي والرّجل رثّ الهيئة، فارتاب وأخذ منه (g) النّعلين وشقّهما فوجد الكتب في باطنهما (h). فحمل الرّجل والكتب إلى صلاح الدّين، فتتبّع خطوط الكتب حتى عرفت، فإذا الذي كتبها من اليهود الكتّاب، فأمر بقتله، فاعتصم بالإسلام وأسلم، وحدّثه الخبر.
(a) بولاق: عديدة. (b-b) إضافة من مسودة المواعظ. (c) بولاق: أمور. (d) بولاق: إلى قتالهم. (e) بولاق: ثارواوهم بالقاهرة. (f) بولاق: البير. (g) ساقطة من بولاق. (h) بولاق: ببطنهما. (١) المقريزي: مسودة المواعظ ٣٦٣ - ٣٦٤. ويحدّد موضع حارة بهاء الدّين الآن المنطقة التي تحدّ من الشرق بشارع المعز لدين اللّه عند الحدّ الجنوبي الغربي لجامع الحاكم، ومن الغرب بشارع الجيش شمال ميدان باب الشعرية، ويتوسّطها شارع بين السّيارج من الشرق إلى الغرب. (راجع، ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٦٥؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٥٢: ٣). (٢) البئر البيضاء. أحد مراكز البريد القديمة، كانت تقع بين بلدتي الخانكة وبلبيس، ويدلّ على مكانها اليوم عزبة أبي حبيب الواقعة في حوض البيضاء بأراضي ناحية الزّوامل بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٤: ٨ هـ، ٢٧٩: ١١ هـ).