ولمّا كانت عدّة بلاد من أرض مصر مطلّة على البحر الرّومي (١) كمدينة الإسكندرية ودمياط وتنّيس والفرما والعريش وغير ذلك، وكان حدّ أرض مصر ينتهي في الجهة الشّمالية إلى هذا البحر وهو نهاية مصبّ النّيل، حسن التّعريف بشيء من أخباره:
وقد تقدّم أنّ مخرج البحر الرّومي هذا من جهة الغرب، وهو يخرج في الإقليم الرابع بين الأندلس والغرب سائرا إلى القسطنطينيّة.
ويقال إنّ هركلش (a) الجبّار حفره وأجراه من البحر المحيط الغربي، وأنّ جزيرة الأندلس وبلاد البربر كانت أرضا واحدة يسكنها الأشبان والبربر (b)، فكان بعضهم يغير على بعض، إلى أن ملك هركلش (a) الجبّار بن ملكا بن (c) بيديعوس (d) بن إغريقش بن يونان، فرغّب إليه الأشبان في أن يجعل بينهم وبين البربر خليجا من البحر يمكن به احتراز كلّ طائفة عن الأخرى، فحفر زقاقا طوله ثمانية عشر ميلا في عرض اثني عشر ميلا، وبنى بجانبيه سكرين وعقد بينهما قنطرة يجاز عليها، وجعل عندها حرسا يمنعون البربر من الجواز عليها إلاّ بإذن. وكان قاموس البحر أعلا من أرض هذا الزّقاق، فطمى الماء حتى غطّى السّكرين مع القنطرة وساق بين يديه بلادا كثيرة، وطغى على عدّة بلاد.
ويقال إنّ المسافرين في هذا الزّقاق بالبحر يخبرون أنّ المراكب في بعض الأوقات يتوقّف سيرها مع وجود الرّيح فيجدون المانع لها كونها قد سلكت بين شرافات السّور وبين حائطين. ثم عظم هذا الزّقاق في الطّول والعرض حتى صار بحرا عرضه ثمانية عشر ميلا، ويذكرون أنّ البحر إذا جزر ترى القنطرة حينئذ.
وهذا الخبر أظنّه غير صحيح، فإنّ أخبار هذا البحر وكونه بسواحل مصر، لم يزل ذكره في الدّهر الأوّل قبل هركلش (a) بزمان طويل، فإمّا أن يكون ذلك قد كان في أوّل الدّهر ممّا عمله
(a) بولاق: إسكندر. (b) بولاق: البربر والأشبان. (c) ساقطة من بولاق. (d) بولاق: سلقوس. (١) عن بحر الروم المعروف الآن بالبحر المتوسط La Mediteranee، انظر مقال Dunlop، D.M.، El ٢? art.Bahr al-.Ru? m I، pp. ٩٦٣ - ٦٥