للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وابن حنّا

هذا هو عليّ بن محمد بن سليم - بفتح السين المهملة وكسر اللام، ثم ياء آخر الحروف بعدها ميم - ابن حنّا - بحاء مهملة مكسورة، ثم نون مشددة مفتوحة بعدها ألف - الوزير الصّاحب بهاء الدّين (١)، ولد بمصر في سنة ثلاث وستّ مائة، وتنقّلت به الأحوال في كتابة الدّواوين إلى أن ولي المناصب الجليلة، واشتهرت كفايته، وعرفت في الدّولة نهضته ودرايته، فاستوزره السّلطان الملك الظّاهر ركن الدّين بيبرس البندقداري في ثامن شهر ربيع الأوّل سنة تسع وخمسين وست مائة، بعد القبض على الصّاحب زين الدّين يعقوب ابن الزّبير، وفوّض إليه تدبير المملكة وأمور الدّولة كلّها، فنزل من قلعة الجبل بخلع الوزارة - ومعه الأمير سيف الدّين بلبان الرّومي الدّوادار، وجميع الأعيان والأكابر - إلى داره.

واستبدّ بجميع التّصرّفات، وأظهر عن حزم وعزم وجودة رأي. وقام بأعباء الدّولة من ولايات العمّال وعزلهم، من غير مشاورة السّلطان ولا اعتراض أحد عليه، فصار مرجع جميع الأمور ومصدرها عنه، ومنشأ ولايات الخطط والأعمال من قلمه، وزوالها عن أربابها لا يصدر إلاّ من قبله. وما زال على ذلك طول الأيّام الظّاهريّة.

فلمّا قام الملك السّعيد بركة خان بأمر المملكة بعد موت أبيه الملك الظّاهر، أقرّه على ما كان عليه في حياة والده، فدبّر الأمور وساس الأحوال، وما تعرّض له أحد بعداوة ولا سوء، مع كثرة من كان يناوئه من الأمراء وغيرهم، إلاّ وصدّه اللّه عنه، ولم يجد ما يتعلّق به عليه ولا ما يبلغ به مقصوده منه.

وكان عطاؤه واسعا، وصلاته وكلفه للأمراء والأعيان، ومن يلوذ به ويتعلّق بخدمته، تخرج عن الحدّ في الكثرة، وتتجاوز القدر في السّعة مع حسن ظنّ بالفقراء، وصدق العقيدة في أهل الخير والصّلاح، والقيام بمعونتهم، وتفقّد أحوالهم، وقضاء أشغالهم، والمبادرة إلى امتثال أوامرهم، والعفّة عن الأموال - حتى إنّه لم يقبل من أحد في وزارته هديّة، إلاّ أن تكون هديّة فقير أو شيخ معتقد يتبرّك بما يصل من أثره - وكثرة الصّدقات في السّرّ والعلانية.

وكان يستعين على ما التزمه من المبرّات ولزمه من الكلف بالمتاجر، وقد مدحه عدّة من الناس، فقبل مديحهم وأجزل جوائزهم. وما أحسن قول الرّشيد الفارقي فيه:


(١) انظر ترجمة الوزير الصّاحب بهاء الدّين بن حنّا عند، الصفدي: الوافي ٣٠: ٢٢ - ٣١؛ ابن الفرات: تاريخ ١٢٥: ٧؛ المقريزي: السلوك ٦٤٩: ١؛ العيني: عقد الجمان ٢٠٧: ٢؛ أبي المحاسن: النجوم ٢٨٥: ٧، المنهل الصافي ١٥٠: ٨ - ١٥١.