للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا العدّاس هو عليّ بن عمر بن العدّاس أبو الحسن، ضمن في أيام المعزّ لدين اللّه كورة بوصير، فخلع عليه وجمّله، وسار خلفه (a) بالبنود والطّبول في جمادى الأولى سنة أربع وستين وثلاث مائة (١). فلمّا كان في أوّل خلافة العزيز باللّه بن المعزّ لدين اللّه، ولاّه الوساطة - وهي رتبة الوزارة - بعد موت الوزير يعقوب بن كلّس، ولم يلقّبه بالوزير. فجلس في القصر لتسع عشرة خلت من ذي الحجّة سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة، وأمر ونهى، ونظر في الأموال، ورتّب العمّال، وأمر ألاّ يطلق شيء إلاّ بتوقيعه، ولا ينفذ إلاّ ما قرّره وأمر به. وأمره العزيز باللّه أن لا يرتفق - أي يرتشي - ولا يرتزق - يعني أنّه لا يقبل هديّة - ولا يضيع دينارا ولا درهما (٢)، فأقام سنة، وصرف في أوّل المحرّم من سنة ثلاث وثمانين، فقرّر في ديوان الاستيفاء. إلى أن كان جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة، حسّن لأبي طاهر محمود النّحوي الكاتب - وكان منقطعا إليه - أن يلقى الحاكم بأمر اللّه ويبلّغه ما تشكوه النّاس من تظافر النّصارى وغلبتهم على المملكة وتوازرهم، وأنّ فهد بن إبراهيم هو الذي يقوّي نفوسهم، ويفوّض أمر الأموال والدّواوين إليهم، وأنّه آفة على المسلمين وعدّة للنصارى.

فوقف أبو طاهر للحاكم ليلا في وقت طوافه في اللّيل وبلّغه ذلك، ثم قال: يا مولانا إن كنت تؤثر جمع الأموال وإعزاز الإسلام، فأرني رأس فهد بن إبراهيم في طست، وإلاّ لم يتمّ من هذا شيء! فقال له الحاكم: ويحك، ومن يقوم بهذا الأمر الذي تبذله (b) ويضمنه؟ فقال: عبدك عليّ ابن عمر بن العدّاس. فقال: ويحك، أو يفعل هذا؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: قل له يلقاني ههنا في غد.

ومضى الحاكم، فجاء أبو طاهر إلى ابن العدّاس وأعلمه بما جرى، فقال: ويحك قتلتني وقتلت نفسك. فقال: معاذ اللّه! أفنصبر لهذا الكلب الكافر على ما يفعل بالإسلام والمسلمين، ويتحكّم فيهم من اللّعب بالأموال؟ واللّه إن لم تسع في قتله ليسعينّ في قتلنا (c).


(a) بولاق: خليفته.
(b) بولاق: تذكره.
(c) النسخ: قتلك والمثبت من المسودة. ويخترقها شارع السّكّة الجديدة (جوهر القائد) من الشرق إلى الغرب، وشارعي سوق السّمك والسّبع قاعات البحرية من الجنوب إلى الشمال.
أمّا سقيفة العدّاسين فيحدّد موضعها الآن الجزء الغربي من شارع الحمزاوي الصغير بين حارة شمس الدّولة وشارع الأزهر. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٥٢: ٤ هـ ١).
(١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢١٧: ١.
(٢) نفسه ٢٧٣: ١، ٢٩٣.