كان أحد مماليك الأمير عزّ الدّين أيدمر الظّاهري نائب الشّام، وجعله دواداره، فباشر الدّواداريّة لأستاذه بدمشق ونفسه تكبر عنها. فلمّا عزل أيدمر من نيابة الشّام في أيّام الملك المنصور قلاوون وحضر إلى قلعة الجبل، اختار السّلطان عدّة من مماليكه منهم سنقر الأعسر هذا، فاشتراه وولاّه نيابة الأستادّاريّة ثم سيّره في سنة ثلاث وثمانين وستّ مائة إلى دمشق وأعطاه إمرة، وولاّه شدّ الدّواوين بها وأستادّارا. فصارت له بالشّام سمعة زائدة إلى أن مات قلاوون، وقام من بعده الأشرف خليل، واستوزر الوزير شمس الدّين السّلعوس، طلب سنقر إلى القاهرة وعاقبه وصادره. فتوصّل حتى تزوّج بابنة الوزير على صداق مبلغه ألف وخمس مائة دينار فأعاده إلى حالته (١).
ولم يزل إلى أن تسلطن الملك العادل كتبغا، واستوزر الصّاحب فخر الدّين بن الخليلي (a)، وقبض على سنقر وعلى سيف الدّين أسندمر وصادرهما، وأخذ من سنقر خمس مائة ألف درهم، وعزله عن شدّ الدّواوين، وأحضره إلى القاهرة. فلمّا وثب الأمير حسام الدّين لاجين على كتبغا وتسلطن، ولّى سنقر الوزارة عوضا عن ابن الخليلي (a) في جمادى الأولى سنة ستّ وتسعين وست مائة (b)، ثم قبض عليه في ذي الحجّة منها. وذلك أنّه تعاظم في وزارته، وقام بحقّ المنصب يريد أن يتشبّه بالشّجاعي، وصار لا يقبل شفاعة أحد من الأمراء ويخرق بنوّابهم.
وكان في نفسه متعاظما، وعنده شمم إلى الغاية، مع سكون في كلامه، بحيث إنّه إذا فاوض السّلطان في مهمّات الدّولة - كما هي عادة الوزراء - لا يجيب السّلطان بجواب شاف. وصار يتبيّن منه للسّلطان قلّة الاكتراث به، فأخذ في ذمّه، وعيّبه بما عنده من الكبر، وصادفه الغرض من الأمراء، وشرعوا في الحطّ عليه حتى صرف وقيّد. فأرسل يسأل السّلطان عن الذّنب الذي أوجب هذه العقوبة، فقال: ما له عندي ذنب غير كبره، فإنّي كنت إذا دخل إليّ أحسب أنّه هو
(a) بولاق: خليل. (b) في جميع النسخ: سبع مائة، سبق قلم. (١) الأمير شمس الدّين سنقر الأعسر المنصوري، المتوفى سنة ٧٠٩ هـ/ ١٣٠٩ م. (الصفدي: أعيان العصر ٤٧٨: ٢ - ٤٨٢، الوافي بالوفيات ٤٩٧: ١٥ - ٤٩٩؛ ابن حبيب: تذكرة النبيه ٢٤: ٢؛ المقريزي: السلوك ٨٤: ٢؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٢٧٣: ٢ - ٢٧٤؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٧٨: ٨، المنهل الصافي ٩٦: ٦ - ٩٨).