الأعمال لرفعته من الأرض إلى السّماء قريبا من خمس مائة ذراع من مكان إلى مكان (١).
ويدخل من هذه القصور إلى دور الحريم. وهذه القصور جميعها من ظاهرها مبنيّة بالحجر الأسود والحجر الأصفر، مؤزّرة من داخلها بالرّخام والفصوص المذهبة المشجّرة بالصّدف والمعجون وأنواع الملوّنات، وسقوفها كلّها مذهّبة قد موّهت باللازورد، والنّور يخرق في جدرانها بطاقات من الزّجاج القبرسي الملوّن كقطع الجوهر المؤلّفة في العقود. وجميع الأراضي قد فرشت بالرّخام المنقول إليها من أقطار الأرض، ممّا لا يوجد مثله (٢).
وتشرف الدّور السّلطانيّة من بعضها على بساتين وأشجار، وساحات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطّيور والدّواجن (٣). وسيأتي ذكر هذه القصور والبساتين والأحواش مفصّلا إن شاء اللّه.
وكان بهذا القصر الأبلق رسوم وعوائد، تغيّر كثير منها وبطل معظمها، وبقيت إلى الآن بقايا من شعار المملكة ورسوم السّلطنة. وسأقصّ من أنباء ذلك إن شاء اللّه ما لا تراه بغير هذا الكتاب مجموعا، واللّه يؤتي فضله من يشاء.
الأسمطة السّلطانيّة
وكانت العادة أن يمدّ بالقصر في طرفي النّهار من كلّ يوم، أسمطة (٤) جليلة لعامّة الأمراء خلا البرّانيين (٥) - وقليل ما هم - فبكرة يمدّ سماط أوّل لا يأكل منه السّلطان، ثم ثان بعده - يسمّى الخاصّ - قد يأكل منه السّلطان وقد لا يأكل، ثم ثالث بعده - ويسمّى الطّارئ - ومنه مأكول السّلطان.
(١) انظر كذلك فيما يلي ٧٤٣ - ٧٤٥. (٢) يذكر ابن إياس أنّ السلطان سليم العثماني عندما دخل إلى مصر «أخرب غالب الأماكن التي بالقلعة وفكّ رخامها ونزل به في مراكب، توجهوا بها إلى إستانبول. (بدائع الزهور ١٦٢: ٥). (٣) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٨١ - ٨٢؛ القلقشندي: صبح ٣٧١: ٣ - ٣٧٢. (٤) السماط ج. الأسمطة. ما يبسط على الأرض لوضع الأطعمة وجلوس الآكلين Dozy، R.، Suppl.) (Dict.Ar.I، p. ٦٨٤، وهو هنا بمعنى المائدة السّلطانية، وسمّاه القلقشندي: صبح الأعشى ٥٦: ٤، الخوان. وانظر فيما تقدم ٢٩٣: ٢ - ٢٩٨، ٥٩٥ الأسمطة في زمن الفاطميين. (٥) الأمراء البرّانيّون. هم المماليك والأمراء من غير الخاصّكية، أمّا الخاصّكية فكان يطلق عليهم الأمراء الجوّانيّة. (المقريزي: السلوك ٦٨٦: ١).