وكانت العادة أن يجلس السّلطان بهذا القصر كلّ يوم للخدمة، ما عدا يومي الاثنين والخميس فإنّه يجلس للخدمة بدار العدل، كما تقدّم ذكره (١). وكان يخرج إلى هذا القصر من القصور الجوّانيّة (٢)، فيجلس تارة على تخت الملك المنصوب بصدر إيوان هذا القصر المطلّ على الإسطبل، وتارة يقعد دونه على الأرض والأمراء وقوف على ما تقدّم، خلا أمراء المشورة والقرباء من السّلطان فإنّه ليس لهم عادة بحضور هذا المجلس، ولا يحضر هذا المجلس من الأمراء الكبار إلاّ من دعت الحاجة إلى حضوره. ولا يزال السّلطان جالسا إلى الثّالثة من النّهار، فيقوم ويدخل إلى قصوره الجوّانيّة، ثم إلى دار حريمه ونسائه. ثم يخرج في أخريات النّهار إلى قصوره الجوّانيّة، فينظر في مصالح ملكه. ويعبر عليه (a) إلى قصوره الجوّانيّة خاصّته من أرباب الوظائف في الأشغال المتعلّقة به على ما تدعو الحاجة إليه (٣)، ويقال لها «خدمة القصر».
وهذا القصر تجاه بابه رحبة يسلك إليها من الرّحبة التي تجاه الإيوان. فيجلس بالرّحبة التي على باب القصر خواصّ الأمراء قبل دخولهم إلى خدمة القصر. ويمشى من باب القصر في دهاليز مفروشة بالرّخام، قد فرش فوقه أنواع البسط، إلى قصر عظيم البناء شاهق في الهواء بإيوانين:
أعظمهما الشّمالي يطلّ منه على الإسطبلات السّلطانية، ويمتدّ النّظر إلى سوق الخيل والقاهرة وظواهرها إلى نحو النّيل، وما يليه من بلاد الجيزة وقراها. وفي الإيوان الثّاني القبلي باب خاصّ لخروج السّلطان وخواصّه منه إلى الإيوان الكبير أيّام الموكب. ويدخل من هذا القصر إلى ثلاثة قصور جوّانيّة: منها واحد مسامت لأرض هذا القصر، واثنان يصعد إليهما بدرج في جميعها شبابيك حديد تشرف على مثل منظرة القصر الكبير.
وفي هذه القصور كلّها مجاري الماء مرفوعا من النّيل بدواليب تديرها الأبقار من مقرّه إلى موضع ثم إلى آخر، حتى ينتهى الماء إلى القلعة ويدخل إلى القصور السّلطانية وإلى دور الأمراء الخواصّ المجاورين للسّلطان، فيجري الماء في دورهم، وتدور به حمّاماتهم. وهو من عجائب
(a) بولاق: إليه. بالقلعة» في كتاب «دراسات وبحوث في الآثار والحضارة الإسلامية - الكتاب التقديري للآثاري عبد الرحمن عبد التواب، ٤٧١: ١ - ٤٨١). (١) المقريزي: مسودة الخطط ٦٦ و؛ وفيما تقدم ٦٦٠. (٢) فيما تقدم ٦٥٢. (٣) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٣٨؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٤٥: ٤.