وكان بجوار القصر الغربي من بحريه دار العلم، ويدخل إليها من باب التّبّانين - الذي هو الآن يعرف بقبو الخرنشف - وصار مكان دار العلم الآن الدّار المعروفة بدار الخضيري، الكائنة بدرب الخضيري المقابل للجامع الأقمر. ودار العلم هذه اتّخذها الحاكم بأمر اللّه (١)، فاستمرّت إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش (٢).
قال الأمير المختار عزّ الملك محمّد بن عبيد اللّه (a) بن أحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز (a) المسبّحي (a) في تاريخه الكبير ومنه نقلت من الجزء الرابع والثلاثين ما نصّه (a): وفي يوم السّبت هذا - يعني العاشر من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلاث مائة - فتحت الدّار الملقّبة بدار الحكمة بالقاهرة، وجلس فيها الفقهاء، وحملت الكتب إليها من خزائن الفقهاء المعمورة. ودخل النّاس إليها، ونسخ كلّ من التمس نسخ شيء ممّا فيها ما التمسه، وكذلك من رأى قراءة شيء ممّا فيها. وجلس فيها القرّاء والفقهاء (b) والمنجّمون وأصحاب النّحو واللّغة والأطبّاء، بعد أن فرشت هذه الدّار وزخرفت، وعلّقت على جميع أبوابها وممرّاتها السّتور، وأقيم قوّام وخدّام وفرّاشون وغيرهم وسموا بخدمتها.
وحصل في هذه الدّار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر اللّه، من الكتب التي أمر بحملها إليها من سائر العلوم والآداب والخطوط المنسوبة، ما لم ير مثله مجتمعا لأحد قطّ من الملوك، وأباح ذلك كلّه لسائر النّاس على طبقاتهم ممّن يؤثر قراءة الكتب والنّظر فيها. فكان/ ذلك من المحاسن المأثورة أيضا التي لم يسمع بمثلها، من إجراء الرّزق السّنيّ لمن رسم له بالجلوس فيها والخدمة لها، من فقيه وغيره. وحضرها النّاس على طبقاتهم: فمنهم من يحضر لقراءة الكتب،
(a) (a-a) زيادة من المسودة. (b) ساقطة من بولاق. هو «باب مراد». (١) عن دار العلم ودورها الثقافي راجع، Eche، Y.، Les bibliothe? ques arabes publiques et semi-pub; i- ques en Me? sopotamie، en Syrie et en E? gypte au Moyen-Age، Damas ١٩٦٧، pp. ٧٤ - ٩٧; Halm، H.، «Al-Hakim's House of Knowledge and Scientific Institutions under the Fatimids» in The Fatitmds and their Taditions of Learning، London ١٩٩٧، pp. ٧١ - ٩٣; Walker، P.، «Fatimid Institions of» Learning»، JARCE ٣٤ (١٩٩٧)، pp. ١٧٩ - ٢٠٠؛ أيمن فؤاد سيد: الدولة الفاطمية في مصر ٥٨٣ - ٥٩٠. (٢) انظر فيما تقدم ٤٦٠ - ٤٦١.