كلّ قليل يركب السّلطان من القلعة، ويقف على العمل، ويهين آقبغا ويسبّه ويستحثّه، حتى تمّ العمل للنصف من ذي الحجّة.
وكانت عدّة المراكب التي غرّقت فيه وهى مشحونة بالحجارة اثني عشر مركبا، كلّ مركب منها تحمل ألف إردبّ غلّة. وعدّة المراكب التي ملئت بالحجر حتى ردم (a) وصار جسرا ثلاثة وعشرون ألف مركب، سوى ما عمل فيه من آلات الخشب والسّرياقات (١).
وحفر في الجزيرة (٢) خليج وطيء، فلمّا جرى النّيل في أيّام الزّيادة مرّ في ذلك الخليج، ولم يتأثّر الجسر من قوّة التّيّار، وصارت قوّة جرى النّيل من ناحية أنبوبة بالبرّ الغربي ومن ناحية التّكروري أيضا. فسّر السّلطان بذلك، وأعجبه إعجابا كثيرا. وكان هذا الجسر سبب انطراد الماء عن برّ القاهرة حتى صار إلى ما صار إليه الآن (b)) مع ما يأتي ذكره إن شاء اللّه (b).
الجسر فيما بين الجيزة والرّوضة المعروف بجسر منجك (c)
كان السّبب المقتضي لعمل هذا الجسر أنّ الملك النّاصر لمّا عمل الجسر فيما بين بولاق وناحية أنبوبة وناحية التّكروري، انطرد ماء النّيل عن برّ القاهرة، وانكشفت أراض كثيرة، وصار الماء يخاض من برّ مصر إلى المقياس، وانكشف من قبالة منشأة المهراني إلى جزيرة الفيل وإلى منية السّيرج، وصار النّاس يجدون مشقّة لبعد الماء عن القاهرة، وغلت روايا الماء حتى أبيعت (d) كلّ راوية بدرهمين بعدما كانت بنصف وربع درهم (٣).
فشكا النّاس ذلك إلى الأمير أرغون العلائي، وإلى السّلطان الملك الكامل شعبان بن الملك النّاصر محمد بن قلاوون. فطلب المهندسين ورئيس البحر، وركب السّلطان بأمرائه من القلعة
(a) بولاق: هدم. (b-b) إضافة من آياصوفيا. (c-c) إضافة من مسودة الخطط. (d) بولاق: بيعت. (١) سرياقة ج. سرياقات. السّوط يصنع من جلد فرس البحر، وهو المعروف الآن بالكرباج. Dozy، R.، Suppl.) (Dict.Ar.I، p. ٦٥١. (٢) حاشية بخطّ المؤلّف: «هذه الجزيرة عرفت بالجزيرة الوسطى». وذكرها المقريزي فيما يلي باسم جزيرة أروى (٥٩٤). (٣) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٢٦: ٩ - ١٢٨.