اعلم أنّ السّودان أهل الإقليم الثاني وما وراءه إلى آخر الأوّل، بل وإلى آخر المعمور متّصلون ما بين المغرب والمشرق، فيجاورون بلاد البربر بالمغرب وإفريقية وبلاد اليمن والحجاز والبصرة وما وراءها من بلاد الهند بالمشرق. وهم أصناف وشعوب وقبائل، أشهرهم بالمشرق: الزّنج والحبشة والنّوبة.
ف «الحبشة» من ولد حبش بن كوش بن حام. و «النّوبة» من ولد نوبة بن كوش بن كنعان ابن حام، وقيل من ولد نوبا بن فوط بن بيصر بن حام. و «الزّنج» من ولد زنجي بن كوش، وسائر الأساود من ولد فوط بن حام وقبائلهم تسع عشرة أمّة.
«الزّنج» وهم على بحر الهند لهم مدينة منبسّة، وهم مجوس وقاموا مع الدّعي بالبصرة في خلافة المعتمد. ويليهم بربرا، وفشا الإسلام فيهم، ولهم مدينة مقدشو على البحر الهندي. ومن غربيهم وجنوبهم الدّمادم، وهم حفاة عراة، وخرجوا إلى بلاد الحبشة والنّوبة عند خروج الطّطر إلى العراق بعد الستّ مائة فعاثوا فيها ثم رجعوا. ويليهم «الحبشة»، وهم أعظم أمم السّودان، ويجاورون اليمن على شاطئ البحر العربي ويدينون بالنّصرانية. وفي شمال الزّنج والحبشة قبائل البجا، وهم نصارى ومسلمون، ولهم جزيرة سواكن. ويليهم غربا «النّوبة» ولهم مدينة دمقلة غرب النّيل وأكثرهم نصارى. ويليهم زغاي وهم مسلمون ومن شعوبهم تاجو. ويليهم الكانم، وهم خلق عظيم والإسلام غالب عليهم، ومدينتهم إنجمي، وأوّل من أسلم من ملوكهم محمد ابن عبد اللّه بن عثمان بن محمد بن أميّ، ويزعم أنّه من نسل سيف بن ذي يزن، وأنّ بينه وبينه نحوا من أربعين ملكا وهو بدوي رحّال؛ وإذا جلس سجد له أهل دولته وانبطحوا على وجوههم، وبلغ عسكره مائة ألف ما بين فارس وراجل وحامل. وبين إنجمي إلى يلملم خلق كثير كفّار، ويجاور ملك إنجمي - وهو ملك الكانم - خمسة ملوك، وخيلهم صغار.
و «الكانم» إقليم كبير يمرّ فيه النّيل النّازل لغانه، وبين إنجمي وأوّل ملك التاجو عدّة مراحل. وهناك أمم من السّودان عراة منهم أهل أكلا، وملكهم قوي عادل؛ ومنهم افنو واسم ملكهم سور - وهو شديد الغيرة على حرمه - ويليه ملك آخر يقال له منيو، وبعدها أمّة يقال لها كانكوما ثم كانكوام ثم انقرم، ثم أمّة أكثر من هؤلاء يقال لهم بدي وملكهم زابومي، ويليه ملك كبير يقال له هرذي وقبيلة يقال لهم أنكرز، وهم كثير، أهل بقر وغنم وفيلة، ثم قبيلة