هذا السّوق يسلك إليه من البندقانيين ومن حارة الجوذريّة ومن الجملون الكبير وغيره، ويشتمل على عدّة حوانيت لعمل الكفت، وهو ما تطعّم به الأواني (a) النّحاس من الذّهب والفضّة. وكان لهذا الصّنف من الأعمال بديار مصر رواج عظيم، وللنّاس في النّحاس المكفّت رغبة عظيمة أدركنا من ذلك شيئا لا يبلغ وصفه واصف لكثرته، فلا تكاد دار بالقاهرة ومصر تخلو من عدّة قطع نحاس مكفّت، ولا بد أن يكون في شورة العروس دكّة نحاس مكفّت.
و «الدّكّة» عبارة عن شيء شبه السّرير يعمل من خشب مطعّم بالعاج والأبنوس، أو من خشب مدهون. وفوق الدّكّة دست طاسات من نحاس أصفر مكفّت بالفضّة، وعدّة الدّست سبع قطع بعضها أصغر من بعض، تبلغ كبراها ما يسع نحو الأردبّ من القمح، وطول الأكفات التي نقشت بظاهرها من الفضّة نحو الثّلث ذراع في عرض أصبعين، ومثل ذلك دست أطباق عدّتها سبعة، بعضها في جوف بعض، ويفتح أكبرها نحو الذراعين وأكثر، وغير ذلك من المنابر والسّرج وأحقاق الأشنان والطّشت والأبريق والمبخرة. فتبلغ قيمة الدّكّة من النّحاس المكفّت زيادة على مائتي دينار ذهبا.
وكانت العروس من بنات الأمراء أو الوزراء أو أعيان الكتّاب أو أماثل التّجّار، تجهّز في شورتها، عند بناء الزّوج عليها، سبع دكك: دكّة من فضّة، ودكّة من كفت، ودكّة من نحاس أبيض، ودكّة من خشب مدهون، ودكّة من صيني، ودكّة من بلّور، ودكّة كلاهي (b) - وهي آلات من ورق مدهون تحمل من الصّين أدركنا منها في الدّور شيئا كثيرا. وقد عدم هذا الصّنف من مصر إلاّ شيئا يسيرا.
وحدّثني القاضي الفاضل الرّئيس تاج الدّين أبو الفداء إسماعيل بن (c) أحمد بن عبد الوهّاب ابن الخطبا المخزومي ﵀ قال: تزوّج القاضي علاء الدّين (d) بن عرب محتسب القاهرة بامرأة من بنات التّجّار تعرف بستّ العمائم (١)، فلمّا قارب البناء عليها والدّخول بها،
(a) بولاق: أواني. (b) بولاق: كداهي. (c) ساقطة من بولاق. (d) بياض في نسخة آياصوفيا. (١) حاشية بخط المؤلّف: «ستّ العمائم ابنة شمس الدّين محمد بن اليسير التّاجر، تزوّج بها بكرا بدر الدّين أحمد بن محمد الخرنوبي التاجر ومات عنها فورثته، ولذلك عظمت سعادتها».