للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا جلاّبة الخيل من عرب الحجاز والشّام والبحرين وبرقة وبلاد المغرب، فإنّ لهم الخلع والرّواتب والعلوفات والأنزال ورسوم الإقامات، خارجا عن مسامحات تكتب لهم بالمقرّرات عن تجارة يتّجرون بها ممّا أخذوه من أثمان الخيول. وكان يثمّن الفرس بأزيد من قيمته، حتى ربّما بلغ ثمنه على السّلطان - الذي يأخذه محضره - نظير قيمته عليه عشر مرّات، غير الخلع وسائر ما ذكر (١). ولم يبق اليوم سوى ما يخلع على أرباب الدّولة.

وقد استجدّ في الأيّام الظّاهريّة، وكثر في الأيّام النّاصرية فرج نوع من الخلع - يقال له «الجبّة» - يلبسه الوزير ونحوه من أرباب الرّتب العليّة جعلوا ذلك ترفّعا عن لبس الخلعة.

ولم تكن الملوك تلبس من الثّياب إلاّ المتوسّط، وتجعل حوائصها بغير ذهب. فلم تزد حياصة النّاصر محمد على مائة درهم فضّة، ولم يزد أيضا سقط سرجه على مائة درهم فضّة على عباءة صوف تدمري أو شامي. فلمّا كانت دولة أولاده بالغوا في التّرف، وخالفوا فيه عوائد أسلافهم، ثم سلك الظّاهر برقوق في ملابسه بعض ما كان عليه الملوك الأكابر لا كلّه، وترك لبس الحرير.

[الميدان بالقلعة]

هذا الميدان من بقايا ميدان أحمد بن طولون - الذي تقدّم ذكره عند ذكر القطائع من هذا الكتاب (٢) - ثم بناه الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب في سنة إحدى عشرة وستّ مائة، وعمّر إلى جانبه بركا ثلاثا تملأ (a) لسقيه، وأجرى الماء إليها، ثم تعطّل هذا الميدان مدّة.

فلمّا قام من بعده ابنه الملك العادل أبو بكر محمد بن الكامل محمد اهتمّ به. ثم اهتمّ به الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب بن الكامل اهتماما زائدا، وجدّد له ساقية أخرى، وأنشأ حوله الأشجار، فجاء من أحسن شيء يكون إلى أن مات. فتلاشى أمر الميدان بعده، وهدمه الملك المعزّ أيبك سنة إحدى وخمسين وستّ مائة، وعفت آثاره (٣).


(a) ساقطة من بولاق.
(١) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٧٤.
(٢) فيما تقدم ٨٦: ٢، وهذا المجلد ٦٢٥.
(٣) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٣٢؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٧٣: ٣ - ٣٧٤.