فلمّا كانت سنة اثنتي عشرة وسبع مائة، ابتدأ الملك النّاصر محمد بن قلاوون عمارته (١)، فاقتطع من باب الإسطبل إلى قريب باب القرافة، وأحضر إليه (a) جميع جمال الأمراء، فنقلت إليه الطّين حين كساه كلّه وزرعه، وحفر به الآبار/ وركّب عليها السّواقي، وغرس فيه النّخل الفاخر والأشجار المثمرة، وأدار عليه هذا السّور الحجر الموجود الآن، وبنى حوضا للسّبيل من خارجه (٢).
فلمّا كمل ذلك نزل إليه ولعب فيه الكرة مع أمرائه، وخلع عليهم، واستمرّ يلعب فيه يومي الثّلاثاء والسّبت، وصار القصر الأبلق يشرف على هذا الميدان، فجاء ميدانا فسيح المدى يسافر النّظر في أرجائه (٣).
وإذا ركب السّلطان إليه نزل من درج تلي قصره الجوّاني. فينزل السّلطان إلى الإسطبل الخاصّ، ثم إلى هذا الميدان وهو راكب وخواصّ الأمراء في خدمته. فيعرض الخيول في أوقات الإطلاقات، ويلعب فيه الكرة. وكان فيه عدّة من أنواع الوحوش المستحسنة المنظر، وكانت تربط به أيضا الخيول الخاصّة للتّفسّح (٤).
وفي هذا الميدان يصلّي السّلطان أيضا صلاة العيدين، ويكون نزوله إليه في يوم العيد وصعوده من باب خاصّ من دهليز القصر، غير المعتاد النّزول منه (٥). فإذا ركب من باب قصره، ونزل إلى منفذه من الإسطبل إلى هذا الميدان، ينزل في دهليز سلطاني قد ضرب له على أكمل ما يكون من الأبّهة، فيصلّي ويسمع الخطبة. ثم يركب ويعود إلى الإيوان الكبير، ويمدّ به السّماط، ويخلع على حامل القبّة والطّير، وعلى حامل السّلاح والأستادّار والجاشنكير وكثير من أرباب الوظائف (٦).
(a) إضافة من مسودة الخطط. (١) ابن أبيك: كنز الدرر ٢٤٥: ٩. (٢) المقريزي: مسودة الخطط ٦٦ و. (٣) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٨٣. (٤) نفسه ٨٣. (٥) نفسه ٨٣؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٧٣: ٣؛ المقريزي: مسودة الخطط ٦٦ و. (٦) يدلّ على موضع الميدان تحت القلعة المنطقة الممتدّة الآن جنوب باب العزب حتى باب القرافة بسور مجرى العيون بميدان السيدة عائشة، الواقع أسفل كوبري السيدة عائشة الآن، وكان يخرج منه أهل القاهرة إلى قرافة الإمام الشافعى. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١١١: ٩ هـ ٢؛ محمد الششتاوي: ميادين القاهرة في العصر المملوكي ٧ - ٥٩).