طيور المسموع سيّما الطّواشيّة، فإنّه كان يبلغ بهم التّرف أن يقتنوا السّمّان ويتأنّقوا في أقفاصه ويتغالوا في أثمانه، حتى بلغنا أنّه بيع طائر من السّمّان بألف درهم فضّة، عنها يومئذ نحو الخمسين دينارا من الذّهب. كلّ ذلك لإعجابهم بصوته، وكان صوته على وزن قول القائل:
طقطلق وعوع، وكلّما كثر صياحه كانت المغالاة في ثمنه. فاعتبر بما قصصته عليك حال التّرف الذي كان فيه أهل مصر، ولا تتّخذ حكاية ذلك هزؤا تسخر به، فتكون ممّن لا تنفعه المواعظ بل يمرّ بالآيات معرضا غافلا، فتحرم الخير.
وكان بهذا السّوق قيساريّة عملت مرّة سوقا للكتبيين ولها باب من وسط سوق الدّجّاجين، وباب من الشّارع الذي يسلك فيه من بين القصرين إلى الرّكن المخلّق (١). فاتّفق أن ولي نيابة النّظر في المارستان المنصوري، عن الأمير الكبير أيتمش البجاسي الظّاهري، أمير يعرف بالأمير خضر ابن التّنكزيّة، فهدم هذا السّوق والقيساريّة وما يعلوها، وأنشأ هذه الحوانيت والرّباع التي فوقها تجاه ربع الكامل، الذي يعلو ما بين درب الخضيري وقبو الخرنشف، فلمّا كمل أسكن في الحوانيت عدّة من الزّيّاتين وغيرهم. وبقي من الدّجّاجين بهذا السّوق بقيّة قليلة.
[سوق بين القصرين]
/ هذا السّوق أعظم أسواق الدّنيا فيما بلغنا، وكان في الدّولة الفاطمية مراحا واسعا يقف فيه عشرة آلاف ما بين فارس وراجل، ثم لمّا زالت الدّولة ابتذل، وصار سوقا يعجز الوصف عن حكاية ما كان فيه. وقد تقدّم ذكره في الخطط من هذا الكتاب (٢)، وفيه إلى الآن بقيّة تحزنني رؤيتها إذا صارت إلى هذه القلّة.
سوق السّلاح
هذا السّوق فيما بين المدرسة الظّاهريّة بيبرس وبين باب قصر بشتاك، استجدّ فيما بعد الدّولة الفاطميّة في خطّ بين القصرين، وجعل لبيع القسيّ والنّشّاب والزّرديات وغير ذلك من آلات السّلاح (٣). وكان تجاهه خان يقابل الخان الذي هو الآن بوسط سوق السّلاح، وعلى بابه من
(١) فيما تقدم ٢٤٩: ٢، وفيما يلي ٣٣٨. (٢) فيما تقدم ٢٤٧: ٢، وهذا المجلد ٨١. (٣) كان تحت الرّبع المعروف بوقف أمير سعيد يقع في مواجهة المدرسة الناصرية محمد بن قلاوون. (فيما تقدم -