شرع النّاس في هدم ما على هذا الخليج من المناظر البهجة والمساكن الجليلة وبيع أنقاضها، حتى ذهب ما كان على هذا الخليج من المنازل ما بين قنطرة الفخر - التي تقدّم ذكرها - وآخر خطّ بركة قرموط، وأصبحت موحشة قفراء بعدما كانت مواطن أفراح ومغنى صبابات، لا يأويها إلاّ الغربان والبوم، سنّة اللّه في الذين خلوا من قبل.
قنطرة فم الخور المعروفة بقنطرة المقسي (a)
هذه القنطرة على خليج فم الخور، وهو الذي يخرج من بحر النّيل، ويلتقي مع الخليج النّاصريّ عند الدّكّة، فيصيران خليجا واحدا يصبّ في الخليج الكبير. كان موضعها جسرا يستند عليه الماء إذا بدت الزّيادة إلى أن تكمل أربعة عشر ذراعا فيفتح، ويمرّ الماء فيه إلى الخليج النّاصريّ وبركة الرّطليّ، ويتأخّر فتح الخليج الكبير حتى يرقى الماء ستة عشر ذراعا.
فلمّا انطرد ماء النّيل عن البرّ الشّرقي، بقي تجاه هذا الخليج في أيّام احتراق النّيل رملة لا يصل إليها الماء إلاّ عند الزّيادة، وصار يتأخّر دخول الماء في الخليج مدّة، وإذا كسر سدّ الخليج الكبير عند الوفاء مرّ الماء بهذا الخليج مرورا قليلا.
وما زال موضع هذه القنطرة سدّا إلى أن كانت وزارة الصّاحب شمس الدّين أبي الفرج عبد اللّه المقسي، في أيّام السّلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين، فأنشأ بهذا المكان القنطرة فعرفت به (١)، واتّصلت العمائر أيضا بجانبي هذا الخليج من حيث يبتدئ إلى أن يلتقي مع الخليج النّاصري، ثم خرب أكثر ما عليه من العمائر والمساكن بعد سنة ستّ وثمان مائة.
وكان للنّاس بهذا الخليج مع الخليج النّاصري في أيّام النّيل مرور في المراكب للنّزهة يخرجون فيه عن الحدّ بكثرة التّهتّك والتّمتّع بكلّ ما يلهي، إلى أن ولي أمر الدّولة، بعد قتل الملك الأشرف
(a) من مسودة الخطط. (١) قنطرة فم الخور المعروفة بقنطرة المقسي. كانت تقع في نقطة تقابل شارع رمسيس مع شارع ٢٦ يولية (فؤاد الأوّل سابقا) في مواجهة قنطرة الكتبة غرب مبنى مصلحة الشهر العقاري.