وكانت تعرف بعصر الخمر وبيعه؛ حتى إنّه لمّا عظمت زيادة ماء النّيل في سنة ثمان عشرة وسبع مائة، وكانت الغرقة المشهورة وغرقت شبرا والمنية، تلف فيها من جرار الخمر ما ينيف على ثمانين ألف جرّة مملوءة بالخمر، وباع نصرانيّ واحد مرّة في يوم عيد الشّهيد بها خمرا باثني عشر ألف درهم فضّة: عنها يومئذ نحو الستّ مائة دينار، وكسر منها الأمير يلبغا السّالمي في صفر سنة ثلاث وثمان مائة ما ينيف على أربعين ألف جرّة مملوءة بالخمر.
وما برحت تغرق في الأنيال العالية إلى أن عمل الملك النّاصر محمد بن قلاوون في سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة، الجسر من بولاق إلى المنية - كما ذكر عند ذكر الجسور من هذا الكتاب (١) - فأمن أهلها من الغرق. وأدركناها عامرة بكثرة المساكن والنّاس والأسواق والمناظر، وتقصد للنّزهة بها أيّام النّيل والرّبيع، لا سيّما في يومي الجمعة والأحد، فإنّه كان للنّاس بها في هذين اليومين مجتمع ينفق فيه مال كثير.
ثم لمّا حدثت المحن من سنة ستّ وثمان مائة ألحّ المناسر بالهجوم عليها في اللّيل، وقتلوا من أهلها عدّة. فارتحل النّاس منها، وخلت أكثر دورها، وتعطّلت حتى لم يبق بها سوى طاحون واحدة لطحن القمح بعدما كان بها ما ينيف على ثلاثين (a) طاحونة، وبها الآن بقيّة. وهى جارية في الدّيوان السّلطاني (b) الذي أحدثه الظّاهر برقوق وسمّاه الدّيوان المفرد (b) (٢).
ذكر كوم الرّيش
هذا المكان (c) اسم لبلد فيما بين أرض البعل ومنية السّيرج، كان النّيل يمرّ بغربيها بعد مروره بغربي أرض البعل، وأدركت آثار الجروف باقية من غربي البعل وغربيّ كوم الرّيش إلى أطراف المنية، حتى تغيّرت الأحوال من بعد سنة ستّ وثمان مائة، ففاض ماء النّيل في أيّام الزّيادة، ونزل في الدّرب الذي كان يسلك فيه من أرض الطّبّالة إلى المنية، فانقطع هذا الدّرب وترك النّاس سلوكه. وكان كوم الرّيش من أجلّ متنزّهات القاهرة، ورغب أعيان النّاس في سكناها للتنزّه بها (٣).
(a) بولاق: ثمانين. (b-b) إضافة من مسودة الخطط. (c) ساقطة من بولاق. (١) فيما يلي ٥٥٣. (٢) المقريزي: مسودة الخطط ١٧٤ و- ١٧٥ و. وبالنص تقديم وتأخير وحذف وإضافة. (٣) كانت كوم الرّيش تجاه الخندق من غربيه على -