للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على تربة مملوكه يلبغا التّركماني عندما مات في سنة سبع وسبع مائة، ثم عمل عليه بابان بطرفيه بعد سنة تسعين وسبع مائة، فصارت تغلق في اللّيل.

وكان فيما أدركناه شارعا مسلوكا طول اللّيل يجلس تجاهه صاحب العسس - الذي عرفته العامّة في زماننا بوالي الطّوف - من بعد صلاة العشاء في كلّ ليلة، وينصب قدّامه مشعل يشعل بالنّار طول اللّيل، وحوله عدّة من الأعوان وكثير من السّقّائين والنّجّارين والقصّارين والهدّادين، بنوب (a) مقرّرة لهم، خوفا من أن يحدث بالقاهرة في اللّيل حريق فيتداركون إطفاءه. ومن حدث منه في اللّيل (b) خصومة، أو وجد سكرانا، أو قبض عليه من السّرّاق، تولّى أمره والي الطّوف، وحكم فيه بما يقتضيه الحال. فلمّا كانت هذه الحوادث بطل هذا الرّسم في جملة ما بطل.

وهذا السّوق الآن جار في وقف (c).

سوق الفرّائين

هذا السّوق يسلك فيه من سوق الشّرابشيّين إلى الأكفانيّين والجامع الأزهر وغير ذلك. كان قديما يعرف بسوق الخروقيّين، ثم سكن فيه صنّاع الفراء وتجّاره فعرف بهم.

وصار بهذا السّوق، في أيّام الملك الظّاهر برقوق، من أنواع الفرو (d) ما تجلّ أثمانها وتتضاعف قيمها، لكثرة استعمال رجال الدّولة من الأمراء والمماليك لبس السّمّور والوشق والقاقم (e) والسّنجاب، بعد ما كان ذلك في الدّولة التركية من أعزّ الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يلبسها.

ولقد أخبرني الطّواشي الفقيه الكاتب الحاسب الصّوفي زين الدّين مقبل الرّومي الجنس المعروف بالشّامي، عتيق السّلطان الملك النّاصر حسن بن محمد بن قلاوون: أنّه وجد في تركة بعض أمراء السّلطان حسن قباء بفرو قاقم، فاستكثر ذلك عليه وتعجّب منه، وصار ذلك يحكى مدّة لعزّة هذا الصّنف واحترامه، لكونه من ملابس السّلطان وملابس نسائه.


(a) بولاق: بنوت.
(b) بولاق: بالليل.
(c) في هامش آياصوفيا. بياض سطر.
(d) بولاق: الفراء.
(e) بولاق: القماقم. الغوري القائمة في مكان قيسارية أمير علي بشارع المعز لدين اللّه (فيما تقدم ٢٨٨). (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٨٧: ١١ هـ ١).