وكان انقطاع وصول مغلّ أوقاف المدرسة مدعاة لتوقّف النّشاط التّعليمي للمؤسّسة. فعندما قرّر الأمير آقسنقر النّاصري درسا في جامعه بباب الوزير فيه عدّة من الفقهاء، وقف عليه ضيعة من قرى حلب تغلّ في السنة مائة وخمسين ألف درهم فضّة، فلمّا توقّف وصول مغلّ وقف الجامع بسبب الفتن التي حدثت ببلاد الشّام في أعقاب وفاة الظّاهر برقوق، «تعطّل الجامع من أرباب وظائفه إلاّ الأذان والصّلاة وإقامة الخطبة في الجمع والأعياد»(فيما يلي ٢٤٠).
كانت حجج الوقف التي يصدرها الواقف لصالح المؤسّسة التي ينشئها بمثابة اللاّئحة الأساسية للمؤسّسة، تتضمّن تحديد مكان المؤسّسة ووصفها المعماري، ونوع الدّراسة التي تتم بها والشّروط الواجب توافرها في القائمين بالتّدريس، ومواعيد الدّراسة وخزانة الكتب الملحقة بالمؤسّسة وعدد الموظّفين الملحقين بها من خطباء وقومة ومؤذّنين وفرّاشين … ، وعدد المدرّسين لكلّ مذهب، وعدد الطّلبة الحاضرين لهذه الدّروس، وعدد المعيدين، ونسبة الطّلبة المقيمين بالمدرسة إلى الطّلبة المتردّدين عليها، والمعلوم الذي يصرف لهم والذي لم يكن موحّدا لجميع الطّلبة (١).
شادّ العمائر
ولم تكن هذه المنشآت المهمّة التي شيّدها سلاطين المماليك وكبار أمرائهم لتتمّ دون أن يشرف على إدارتها وتنظيم العمل فيها موظّف مختصّ عرف ب «شادّ العمائر». ووظيفة «شدّ العمائر» هي الوظيفة الرّابعة والعشرون بين وظائف أرباب السّيوف في الدّولة المملوكية، وموضوع هذه الوظيفة - كما يقول القلقشندي - أن يكون صاحبها متكلّما في العمائر السّلطانية ممّا يختار السّلطان إحداثه أو تجديده من القصور والمنازل والأسوار والمساجد وغير ذلك. وكان متولّيها في أوّل الأمر أحد أمراء العشراوات، ثم صار يشغلها قوم بغير إمرة (٢). وربّما عاون شادّ العمائر في إنشاء الأماكن المهمّة موظّف آخر يسمّى «ناظر العمارة» كان له الأمر على المهندسين والحجّارين وصنّاع العمائر ونحوهم (٣).
وعادة ما كان «شادّ العمائر» يختار من بين العارفين بأمور الهندسة والبناء وذوي الأمانة والعفّة، وكان من بين واجباته الإشراف على أرباب الصّناعات المختلفة في العمائر، وحثّهم في
(١) محمد محمد أمين: المرجع السابق ٢٤٢ - ٢٥٠. (٢) القلقشندي: صبح الأعشى ٢٢: ٤؛ ابن شاهين الظاهري: زبدة كشف الممالك ١١٥. (٣) van Berchem، M.، CIA Egypte I، p. ٧٤٢؛ حسن الباشا: الفنون الإسلامية والوظائف ٦١٧.