القول. وكان من كلامه: كيف تعمل قبطيّا أسلميّا كاتب السّرّ وتزيد معلومه؟ وبالغ في الجراءة حتى قال: ما يفلح من يخدمك، وخدمتك عليّ حرام. ونهض قائما لشدّة حنقه. وكان هذا منه بحضرة الأمراء، فغضبوا لذلك وهمّوا بضرب عنقه، فأغضى السّلطان عنه.
وبلغ محيي الدّين ما كان من ابنه، فبادر إلى السّلطان، وقبّل الأرض، واعترف بخطأ ابنه، واعتذر عن تأخّره بثقل سمعه. فرسم له أن يكون ابنه علاء الدّين عليّ يدخل ويقرأ البريد، فاعتذر بأنّه صغير لا يقوم بالوظيفة، فقال السّلطان: أنا أربّيه مثل ما أعرف، فصار يخلف أباه كما كان شهاب الدّين.
وانقطع شهاب الدّين في منزله مدّة سنين إلى أن مات أبوه محيي الدّين في يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة بالقاهرة، عن ثلاث وتسعين سنة، وهو متمتّع بحواسّه، فدفن ظاهر القاهرة، ثم نقل إلى تربتهم من سفح قاسيون بدمشق. وكان صدرا معظّما، رزينا كامل السّؤدد، ممولا (a) كاتبا بارعا، دبّر الأقاليم بكفايته وحسن سياسته ووفور عقله وأمانته وشدّة تحرّزه، وله النّظم والنّثر البديع الرّائق، فمن شعره:
[الطويل]
تضاحكني ليلى فأحسب ثغرها … سنا البرق لكن أين منه سنا البرق
وأخفت نجوم الصّبح حين تبسّمت … فقمت بفرعيها أشد على الشّرق
وقلت سواء جنح ليل وشعرها … ولم أدر أنّ الصّبح من جهة الفرق
علاء الدّين عليّ بن يحيى بن فضل اللّه العمري (١).
استقلّ بوظيفة كتابة السّرّ قبل موت أبيه محيي الدّين، وخلع عليه يوم الاثنين رابع شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وله من العمر أربع وعشرون سنة. فخرج وفي خدمته الصّاحب والدّوادار، وتقدّم أمر السّلطان للموقّعين بامتثال ما يأمرهم به عن السّلطان، فشقّ ذلك على أخيه شهاب الدّين وحسده، وربّما قيل إنه سمّه، فكان يعتريه دم منه إلى أن مات.
(a) بولاق: حركا. (١) علاء الدّين عليّ بن محيي الدين يحيى بن فضل اللّه القرشي العمري، المتوفى في رمضان سنة ٧٦٩ هـ/ ١٣٦٨ م. (الصفدي: الوافي بالوفيات ٣٢٢: ٢٢ - ٣٢٨؛ ابن حبيب: تذكرة النبيه ٣١٦: ٣؛ المقريزي: السلوك ١٦٦: ٣؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٢١٢: ٣ - ٢١٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٠٢: ١١، المنهل الصافي ٢٤٠: ٨ - ٢٤١).