ولم تزل إلى أن هدمها ناصر الدّين محمد بن البارزي الحموي كاتب السّرّ بعد ما اشتراها نقضا، كما اشترى غيرها من الأوقاف وذلك في سنة إحدى وعشرين وثمان مائة.
السّبع قاعات
هذه الدّار عرفت بالسّبع قاعات، وهي يتوصّل إليها من جوار دار بيبرس المذكورة ومن سويقة الصّاحب، وقد صارت عدّة مساكن جليلة، ومكانها من جملة إسطبل الجمّيزة. أنشأها الوزير الصّاحب علم الدّين بن زنبور، ووقفها من جملة ما وقف. فلمّا قبض عليه قام (a) الأمير صرغتمش في (a) حلّ أوقافه، ووعد بالسّبع قاعات خوند قطلوملك (b) ابنة الأمير تنكز الحسامي نائب الشّام، أمّ السّلطان الملك الصّالح صالح بن النّاصر محمد بن قلاوون.
ولقّنه الشّريفان شرف الدّين عليّ بن حسين بن محمد نقيب الأشراف وأبو العبّاس الصّفراوي: أنّ النّاصر لمّا قبض على كريم الدّين الكبير، بعث إلى كريم الدّين من شهد عليه أنّ جميع ما صار بيده من الأملاك - وقفها وطلقها - إنّما هو من مال السّلطان دون ماله، وشهد بذلك عند قاضي القضاة بدر الدّين محمد بن جماعة، فأثبت بهذه الشّهادة أنّ أملاك كريم الدّين جارية في أملاك السّلطان فأقرّ السّلطان ما وقفه كريم الدّين منها على حاله، وسمّاه «الوقف النّاصريّ».
فلمّا جلس السّلطان الملك الصّالح بدار العدل، وحضر قاضي القضاة والأمراء وغيرهم من أهل الدّولة على العادة، تكلّم الأمير صرغتمش مع قاضي القضاة عزّ الدّين عبد العزيز بن بدر الدّين محمد بن جماعة في حلّ أوقاف ابن زنبور، فإنها ملك السّلطان ومن ماله اشتراها، وذكر قضيّة كريم الدّين. فأجابه بأنّ تلك القضيّة كانت صحّتها مشهورة، وذلك أنّ خزائن السّلطان وحواصله وأمواله كلّها كانت بيد كريم الدّين وفي داره يتصرّف فيها على ما يختار كما (c) جعل له السّلطان بتوكيله والإذن له في التّصرّف. بخلاف ابن زنبور فإنّه كان يتصرّف في ماله الذي اكتسبه من المتجر وغيره، فما وقفه وثبت وقفه وحكم قضاة الإسلام بصحّته، لا سبيل إلى حلّه، وساعده في ذلك قاضي القضاة (d) موفّق الدّين عبد اللّه الحنبلي. وتردّد الكلام بينهما في ذلك، فاحتجّ عليهما الأمير صرغتمش بما لقّنه الشّريفان من مشاطرة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب - رضي اللّه تعالى عنه - عمّاله، وأخذه من كلّ عامل نصف ماله، وأنّ مال الوزير جميعه من مال
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: قطلوبيك. (c) بولاق: يختاره، وكما ساقطة. (d) بولاق: القاضي.