اعلم أنّ اللّه تعالى (b) لمّا أنزل التّوراة على نبيّه موسى ﵇ ضمّنها شرائع الملّة الموسويّة، وأمر فيها أن يكتب لكلّ من يلي أمر بني إسرائيل كتاب يتضمّن أحكام الشّريعة لينظر فيه، ويعمل به، وسمّي هذا الكتاب بالعبرانية «مشنا»، ومعناه: استخراج الأحكام من النصّ الإلهي، وكتب موسى ﵇ بخطّ يده «مشنا» كأنّه تفسير لما في التّوراة من الكلام الإلهي (١).
فلمّا مات موسى ﵇ وقام من بعده بأمر بني إسرائيل يوشع بن النون ومن بعده، إلى أن كانت أيّام يهياخيم (c) ملك القدس، غزاهم بخت نصّر الغزوة الأولى وهم يكتبون لكلّ من ملكهم «مشنا»، ينقلونها من المشنا التي بخطّ موسى، ويجعلونها باسمه. فلمّا جلاّ بخت نصّر يهياخيم (c) الملك، ومعه أعيان بني إسرائيل وكبراء بيت المقدس - وهم في زيادة على عشرة آلاف نفس - ساروا، ومعهم نسخ «المشنا» التي كتبت لسائر ملوك بني إسرائيل بأجمعها، إلى بلاد المشرق.
فلمّا سار بخت نصّر من بابل الكرّة الثّانية لغزو القدس، وخرّبه، وجلاّ جميع من فيه وفي بلاد بني إسرائيل من الأسباط الاثني عشر، إلى بابل، أقاموا بها، وبقي القدس خرابا لا ساكن فيه مدّة سبعين سنة، ثم عادوا من بابل بعد سبعين سنة، وعمّروا القدس، وجددّوا بناء البيت ثانيا، ومعهم جميع نسخ «المشنا» التي خرجوا بها أوّلا.
فلمّا مضت من عمارة البيت الثّاني بعد الجلاية ثلاث مائة ونيّف من السّنين، اختلف بنو إسرائيل في دينهم اختلافا كثيرا، فخرج طائفة من آل داود ﵇ من بيت المقدس،
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: سبحانه. (c) بولاق: يهوياقيم. (١) راجع عن التّوراة - JE art.Torah XII، pp. ١٩٦ ٩٩; Urbach، E.E.، ER art.Torah XIV، pp. ٥٥٦ - ٦٥؛ وعن «المشنا» JE art.Mishnah VIII، pp. ٦٠٩ - ١٩; Neusber، J.، ER art.Mishna and Tosefta IX، pp.L ٢ ٥٥٩ - ٦٣.