للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأدركنا المقس خطّة في غاية العمارة بها عدّة أسواق، ويسكنها أمم من الأكراد والأجناد والكتّاب وغيرهم. وقد تلاشت من بعد سنة سبع وسبعين وسبع مائة عند حدوث الغلاء بمصر في أيّام الملك الأشرف شعبان بن حسين. فلمّا كانت المحن منذ سنة ستّ وثمان مائة، خربت الأحكار والمقس وغيره. وفيه إلى الآن بقيّة صالحة، وبه خمسة جوامع تقام بها الجمعة وعدّة أسواق، ومعظمه خراب.

[ذكر ميدان القمح]

هذا المكان خارج باب القنطرة، يتّصل من شرقيه بعدوة الخليج، ومن غربيه بالمقس، وبعضهم يسمّيه «ميدان الغلّة». وكان موضعا للغلال أيّام كان المقس ساحل القاهرة. وكانت صبر القمح وغيره من الغلال توضع من جانب المقس إلى باب القنطرة عرضا، وتقف المراكب من جانب المقس إلى منية السّيرج طولا، ويصير عند باب القنطرة في أيّام النّيل من مراكب الغلّة وغيرها ما يستر السّاحل كلّه (١).

قال ابن عبد الظّاهر: المكان المعروف بميدان الغلّة وما جاوره إلى ما وراء الخليج، لمّا ضعف أمر الخلافة وهجرت الرّسوم القديمة (a) من التّفرّج في اللّؤلؤة وغيرها، بنت الطائفة الفرحيّة الساكنون بالمقس - لأنّهم ضاق بهم المقس - قبالة اللّؤلؤة حارة سمّيت بحارة اللّصوص، بسبب تعدّيهم فيها مع غيرهم، إلى أن غيّروا تلك المعالم (٢). وقد كان ذلك قديما بستانا سلطانيّا يسمّى بالمقسي، أمر الظّاهر بن الحاكم بنقل أنشابه، وحفره وجعله بركة قدّام اللّؤلؤة مختلطة بالخليج.

وكان للبستان المقدّم ذكره ترعة من البحر يدخل منها الماء إليه - وهو خليج الذّكر الآن (٣) - فأمر بإبقائها على حالها مسلّطة على البركة والخليج يستنقع الماء فيها. فلمّا نسي ذلك على ما


(a) مسودة الخطط: الرسم القديم.
(١) ميدان القمح. يدلّ على موقع هذا الميدان الذي كان قائما زمن الدّولة الفاطمية، عند ما كان ساحل المقس هو ميناء القاهرة، النصف الشرقي من منطقة باب البحر التي يشغلها الآن سكة الفجالة وشارع الطواشي حتى ميدان بركة الرطلي شمالا.
(٢) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١١٢؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٥٧: ٣ - ٣٥٨؛ وفيما يلي ٥٤٢.
(٣) فيما يلي ٤٧٩ - ٤٨٠.