ومن جملة دور القلعة قاعة البيسريّة، أنشأها السّلطان الملك النّاصر حسن بن محمد بن قلاوون (١)، وكان ابتداء بنائها/ في أوّل يوم من شعبان سنة إحدى وستين وسبع مائة ونهاية عمارتها في ثامن عشرين ذي الحجّة من السنة المذكورة. فجاءت من الحسن في غاية لم ير مثلها، وعمل لهذه القاعة من الفرش والبسط ما لا تدخل قيمته تحت حصر. فمن ذلك تسعة وأربعون ثريّا برسم وقود القناديل، جملة ما دخل فيها من الفضّة البيضاء الخالصة المضروبة مائتا ألف وعشرون ألف درهم، وكلّها مطلية بالذّهب. وجاء ارتفاع بناء هذه القاعة طولا في السّماء ثمانية وثمانين ذراعا.
وعمل السّلطان بها برجا يبيت فيه من العاج والأبنوس، مطعّم بجلسته بين يديه، وأكتاف وباب يدخل منه إلى الأرض كذلك، وفيه مقرنص قطعة واحدة يكاد يذهل النّاظر إليه: بشبابيك ذهب خالص، وطرازات ذهب مصوغ، وشرّافات ذهب مصوغ، وقبّة مصوغة من ذهب، صرف فيه ثمانية وثلاثون ألف مثقال من الذّهب، وصرف في مؤنه وأجره تتمّة ألف ألف درهم فضّة عنها خمسون ألف دينار ذهبا (٢). وبصدر إيوان هذه القاعة شبّاك حديد، يقارب باب زويلة (a)، يطلّ على جنينة بديعة الزّي (b) (٣).
(a) كذا في جميع النسخ، وربما المقصود أن الشباك الحديد كان يقارب باب زويلة من حيث الارتفاع! (b) بولاق: الشكل، وهنا في هامش آياصوفيا: بياض ثلاثة أسطر. (١) سمّاها المقريزي في مسودة الخطط ٧٠ ظ: القصر النّاصري حسن ويعرف بقاعة البيسريّة. (٢) نهاية الموجود عن القاعة البيسرية في مسودة الخطط ٧٠ ظ. (٣) ربّما المقصود أنّه يقارب باب زويلة في الطول لا في المسافة، فباب زويلة مكانه معروف، وهو يبعد مسافة غير قليلة من القلعة. وقاعة البيسريّة اهتّم السّلطان الغوري بعمارتها هي وقاعة العواميد سنة ٩١٠ هـ/ ١٥٠٤ م، ونقل إليها الرّخام الموجود بالقاعة المعروفة بنصف الدّنيا التي أنشأها ناظر الخاصّ يوسف - وكان فيها الرّخام المثمّن الذي لا يوجد - (ابن إياس: بدائع الزهور ٦٨: ٤، ٩١: ٥، ٩٤). ثم لمّا دخل السّلطان سليم الأوّل العثماني إلى مصر في سنة ٩٢٣ هـ/ ١٥١٧ م نزل به من القلعة ووضعه في صناديق خشب ونزل به في المراكب ليتوجّه إلى إستانبول؛ وأضاف ابن إياس: «ومن العجائب أنّ السّلطان الغوري ظلم أولاد ناظر الخاص يوسف وأخذ رخام قاعتهم التي تسمّى بنصف الدّنيا -