النّساء، ويحمل كلّ سنة إلى العلويين الذين بالمشاهد جملا كبيرة. وكان أهل العلم يغدون إليه من سائر البلاد، فلا يخيّب أمل قاصد منهم.
ولمّا كان في اللّيلة التي قتل صبيحتها قال: في هذه الليلة ضرب في مثلها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ﵁. وأمر (a)) بقراءة مقتله (a)، فاغتسل وصلّى على رأي الإمامية مائة وعشرين ركعة أحيا بها ليله، وخرج ليركب، فعثر وسقطت عمامته عن رأسه وتشوّشت؛ فقعد في دهليز دار الوزارة، وأمر بإحضار ابن الضّيف - وكان يتعمّم للخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثّقيل - فلمّا أخذ في إصلاح العمامة، قال رجل للصّالح: نعيذ باللّه مولانا، ويكفيه هذا الذي جرى أمرا يتطيّر منه، فإن رأى مولانا أن يؤخّر الرّكوب فعل؛ فقال: الطّيرة من الشّيطان، ليس إلى تأخير الرّكوب سبيل. وركب فكان من ضربه ما كان، وعاد محمولا، فمات منها كما تقدّم.
[ذكر الأحباس]
وما كان يعمل فيها - اعلم أنّ الأحباس في القديم لم تكن تعرف إلاّ في الرّباع وما يجري مجراها من المباني، وكلّها كانت على جهات برّ. فأمّا المسجد الجامع العتيق بمصر، فكان يلي إمامته في الصّلوات الخمس، والخطابة فيه يوم الجمعة والصّلاة بالنّاس صلاة الجمعة، أمير البلد: فتارة يجمع للأمير بين الصّلاة والخراج، وتارة يفرد الخراج عن الأمير، فيكون الأمير إليه أمر الصّلاة بالنّاس والحرب، ولآخر أمر الخراج وهو دون مرتبة أمير الصّلاة والحرب. وكان الأمير يستخلف عنه في الصّلاة صاحب الشّرطة إذا شغله أمر.
ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ولي مصر عنبسة بن إسحاق بن شمر، من قبل المنتصر (b) ابن المتوكّل، على الصّلاة والخراج. فقدمها لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وأقام إلى مستهلّ رجب سنة اثنتين وأربعين ومائتين وصرف (١). فكان آخر من ولي مصر من العرب، وآخر أمير صلّى بالنّاس في المسجد الجامع، وصار يصلّي بالنّاس رجل يرزق من بيت المال، وكذلك المؤذّنون ونحوهم.
وأمّا الأراضي فلم يكن سلف الأمّة من الصّحابة والتّابعين يتعرّضون لها، وإنّما حدث ذلك بعد عصرهم./ حتّى إنّ أحمد بن طولون لمّا بنى الجامع والمارستان والسّقاية، وحبس على ذلك
(a-a) بولاق: بقربة ممتلئة. (b) بولاق: المستنصر. (١) فيما تقدم ٧٧: ٢ - ٧٨.