للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضعف جانبهم. واشتدّ بأس يانس وعظم شأنه، فثقل على الخليفة وتحيّل منه، فأحسّ بذلك، فأخذ كلّ منهما في التّدبير على الآخر، فأعجل يانس وقبض على حاشية الخليفة ومنهم قاضي القضاة وداعي الدّعاة أبو الفخر وأبو الفتح بن قادوس، وقتلهما (١). فاشتدّ ذلك على الحافظ، ودعا طبيبه وقال: اكفني أمر يانس. فيقال إنّه سمّه في ماء المستراح، فانفتح دبره، واتّسع حتى ما بقي يقدر على الجلوس. فقال الطّبيب: يا أمير المؤمنين قد أمكنتك الفرصة وبلغت مقصودك.

فلو أنّ مولانا عاده في هذه المرضة اكتسب حسن الأحدوثة، فإنّ هذا المرض ليس له دواء إلاّ الدّعة والسّكون، ولا شيء عليه أضرّ من الحركة والانزعاج؛ وهو إذا سمع بقصد مولانا له تحرّك، واهتمّ للّقاء وانزعج، وفي ذلك تلاف نفسه، فنهض لعيادته.

وعند ما بلغ ذلك يانس قام ليلقاه، ونزل عن الفراش وجلس بين يدي الخليفة؛ فأطال الخليفة جلوسه عنده وهو يحادثه، فلم يقم حتى سقطت أمعاء يانس ومات من ليلته في سادس عشر ذي الحجّة سنة ستّ وعشرين وخمس مائة (٢).

وكانت وزارته تسعة أشهر وأيّاما، وترك ولدين كفلهما الحافظ وأحسن إليهما.

وكان يانس هذا مولى أرمنيّا لباديس جدّ عبّاس الوزير، فأهداه إلى الأفضل بن أمير الجيوش، وترقّى في خدمته إلى أن تأمّر، ثم ولي الباب - وهي أعظم رتب الأمراء - وكنّي بأبي الفتح ولقّب بالأمير السّعيد. ثم لمّا ولي الوزارة نعت ب «ناصر الجيوش سيف الإسلام»، وكان عظيم الهمّة، بعيد الغور، كثير الشّرّ، شديد الهيبة (٣).

[ذكر الأمير حسن بن الخليفة الحافظ -]

ولمّا مات الوزير يانس، تولّى الخليفة الحافظ الأمور بنفسه ولم يستوزر أحدا، وأحسن السّيرة. فلمّا كان في سنة ثمان وعشرين وخمس مائة عهد إلى ولده سليمان - وكان أسنّ أولاده وأحبّهم إليه - وأقامه مقام الوزير (٤)، فمات بعد/ شهرين من ولاية


(١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٤: ٣ - ١٤٥؛ ساويرس بن المقفع: تاريخ بطاركة الكنيسة ٢٨: ١/ ٣.
(٢) راجع، ابن ميسر: أخبار مصر ١١٧ - ١١٨؛ ابن ظافر: أخبار الدول ٩٨ (وفيه أن وفاته لليلتين خلتا من ذي القعدة) وكذلك ابن أبيك: كنز الدرر ٥٠٦: ٦؛ ابن الأثير: الكامل ٦٧٣: ١٠؛ النويري: نهاية الأرب ٢٩٩: ٢٨؛ ابن الفرات: تاريخ الدول والملوك - خ ٤٢: ٣ و- ٤٣ و؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٤: ٣ - ١٤٥؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٤٠: ٥.
(٣) المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٥: ٣.
(٤) ابن ميسر: أخبار ١٢١؛ ابن الطوير: نزهة المقلتين ٣٧؛ المقريزي: اتعاظ ١٤٩: ٣؛ أبو المحاسن: النجوم ٢٤١: ٥. ويوجد في سوهاج بصعيد مصر نقش أثري من ثمانية أسطر على لوح من الرّخام يحمل اسم «وليّ عهد -