العلم بما يشتمل عليه من الأخبار أجمع وأكثر فائدة وأسهل تناولا، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وفوق كلّ ذي علم عليم.
وأوّل (a) من رتّب خطط مصر وآثارها (b)، وذكر أسبابها في ديوان جمعه، أبو عمر محمد بن يوسف الكندي. ثم كتب/ بعده القاضي أبو عبد اللّه محمّد بن سلامة القضاعيّ كتابه المنعوت ب «المختار في معرفة (c) الخطط والآثار»، ومات في سنة أربع (d) وخمسين وأربع مائة قبل سني الشّدّة. فدثر أكثر ما ذكراه، ولم يبق إلاّ لمع وموضع بلقع، بما حلّ بمصر من سني الشّدّة المستنصريّة من سنة سبع وخمسين إلى سنة أربع وستين وأربع مائة من الغلاء والوباء: فمات أهلها، وخربت ديارها، وتغيّرت أحوالها، واستولى الخراب على عمل فوق (١) من الطّرفين بجانب (e) الفسطاط الغربي والشّرقي.
فأمّا الغربيّ فمن قنطرة بني وائل، حيث الورّاقات الآن قريبا من باب القنطرة خارج مدينة مصر، إلى الشّرف المعروف اليوم (f) بالرّصد وأنت مارّ إلى القرافة الكبرى. وأمّا الشّرقيّ فمن طرف بركة الحبش التي تلي القرافة إلى نحو جامع أحمد بن طولون.
ثم دخل أمير الجيوش بدر الجماليّ إلى مصر في سنة ستّ وستين وأربع مائة، وهذه المواضع خاوية على عروشها، خالية من سكّانها وأنيسها، قد أبادهم الوباء واليّباب، وشتّتهم الموت والخراب. ولم يبق بمصر إلاّ بقايا من النّاس كأنّهم أموات قد اصفرّت وجوههم، وتغيّرت سحنهم من غلاء الأسعار وكثرة الخوف من العسكريّة، وفساد طوائف العبيد والملحيّة، ولم يجد من يزرع الأراضي (٢).
هذا، والطّرقات قد انقطعت (g)) برّا وبحرا (g) إلاّ بخفارة وكلفة كبيرة وصارت القاهرة أيضا يبابا دائرة، فأباح للناس من العسكريّة والملحيّة والأرمن، وكلّ من وصلت قدرته إلى عمارة، أن يعمّر
(a) بولاق: أول. (b) ساقطة من الأصل. (c) بولاق: في ذكر. (d) بولاق: سبع. (e) بولاق: بجانبي. (f) بولاق: الآن. (g-g)) بولاق: بحرا وبرا. (١) انظر عن عمل فوق فيما يلي ٢٩٩: ١. (٢) انظر فيما يلي ٣٦٤: ١.