الكريم، واستفتح المقرئون من الحمد إلى خاتمة القرآن تلاوة وتطريبا.
ثم وقف بعد ذلك من خطب فأسمع، ودعا فأبلغ، ورفع الفرّاشون ما أعدّوه برسم الجهات، ثم كبّر المؤذّنون وهلّلوا، وأخذوا في الصّوفيّات إلى أن نثر عليهم من الرّوشن دنانير ودراهم ورباعيات، وقدّمت جفان القطائف على الرّسم مع البسندود والحلواء، فجروا على عادتهم وملأوا أكمامهم. ثم خرج أستاذ من باب الدّار الجديدة بخلع خلعها على الخطيب وغيره، ودراهم تفرّق على الطائفتين من المقرئين والمؤذّنين (١).
ذكر مذاهبهم في أوائل (a) الشّهور
اعلم أنّ القوم كانوا شيعة، ثم غلوا حتى عدّوا من غلاة أهل الرّفض. وللشّيعة في أثناء الشّهور عمل أحسن ما رأيت فيه ما حكاه أبو الرّيحان محمد بن أحمد البيروني في كتاب «الآثار الباقيّة عن القرون الخالية» قال: (b) ثم منذ سنين نبتت نابتة ونجمت ناجمة ونبغت فرقة جاهلية فنظروا إلى (b) أخذهم بالتأويل، (c) وولوعهم بسبب الآخذين بالظّاهر بزعمهم (c) إلى اليهود والنّصارى، فإذا لهم جداول وحسبانات يستخرجون بها شهورهم، ويعرفون منها صيامهم - والمسلمون مضطرّون إلى رؤية الهلال، وتفقّد ما اكتساه القمر من النّور (c) واشترك بين نصفه المرئي ونصفه المستور (c) - ووجدوهم شاكّين في ذلك، مختلفين فيه، مقلّدين بعضهم بعضا في عمل رؤية الهلال بطريق الزّيجات.
فرجعوا (d) إلى أصحاب علم الهيئة، فألفوا زيجاتهم وكتبهم مفتتحة بمعرفة أوائل ما يراد من شهور العرب بصنوف الحسبانات (c) وأنواع الجداول (c)، فظنّوا أنّها معمولة لرؤية الأهلّة، فأخذوا بعضها ونسبوه إلى جعفر بن محمد الصّادق ﵉، وزعموا أنّه سرّ من أسرار النّبوّة.
وتلك الحسبانات مبنيّة على حركات النّيّرين (e) الوسطى دون (c) المعدّلة - أو معمولة على أنّ (c) سنة القمر التي هي ثلاث مائة وأربعة وخمسون يوما وخمس يوم وسدس يوم، وأنّ ستّة
(a) بولاق: أول. (b) (b-b) بولاق: وفي سنين من الهجرة نجمت ناجمة لأجل، والعبارة المثبتة من الآثار الباقية للبيروني. (c) (c-c) زيادة من الآثار الباقية. (d) عند البيروني: ثم رجعوا. (e) بولاق: التدبير. (١) ابن المأمون: أخبار مصر ٨٣، وفيما تقدم ٤٨١ - ٤٨٢.