للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاثنين تاسع عشرين المحرّم سنة ثمان وأربعين وستّ مائة (١). وبموته انقضت دولة بني أيّوب من ديار مصر، بعدما أقامت إحدى وثمانين سنة وسبعة عشر يوما، وملك منهم ثمانية ملوك.

ذكر دولة المماليك البحريّة

وهم الملوك الأتراك، وكان ابتداء أمر هذه الطّائفة أنّ السّلطان الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب، كان قد أقرّه أبوه السّلطان الملك الكامل محمد ببلاد الشّرق، وجعل ابنه العادل أبا بكر وليّ عهده في السّلطنة بمصر. فلمّا مات قام من بعده العادل في السّلطنة، وتنكّر ما بينه وبين ابن عمّه الملك الجواد مظفّر الدين يونس بن مودود بن العادل أبي بكر بن أيّوب، وهو نائب دمشق، فاستدعى الصّالح نجم الدّين أيّوب من بلاد الشّرق، ورتّب ابنه المعظّم توران شاه على بلاد الشّرق، وأقرّه بحصن كيفا، وقدم دمشق وملكها.

فكاتبه أمراء مصر تحثّه على أخذها من أخيه العادل، وخامر عليه بعضهم فسار من دمشق في رمضان سنة ستّ وثلاثين. فانزعج العادل انزعاجا كبيرا، وكتب إلى النّاصر داود صاحب الكرك، فسار إليه ليعاونه على أخيه الصّالح. فاتّفق مسير الملك الصّالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيّوب من حماة وأخذه دمشق للملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل محمد في سابع عشرين صفر سنة سبع وثلاثين، والملك الصّالح نجم الدّين أيّوب يومئذ على نابلس. فانحلّ أمره، وفارقه من معه حتى لم يبق معه إلاّ مماليكه وهم نحو الثّمانين، وطائفة من خواصّه نحو العشرين، وأمّا الجميع فإنّهم مضوا إلى دمشق. وكان النّاصر داود قد فارق العادل، وسار من القاهرة مغاضبا له إلى الكرك، ومضى إلى الصّالح نجم الدّين أيّوب، وقبضه بنابلس في ثاني عشر ربيع الأوّل منها، وسجنه بالكرك.

فأقام مماليك الصّالح بالكرك حتى خلص من سجنه في سابع عشرين شهر رمضان منها، فاجتمع عليه مماليكه وقد عظمت مكانتهم عنده، وكان من أمره ما كان حتى ملك مصر، فرعى لهم ثباتهم معه حين تفرّق عنه الأكراد، وأكثر من شرائهم وجعلهم أمراء دولته وخاصّته وبطانته


(١) فيما تقدم ٦٠٤: ١ - ٦٠٥.