ولكلّ مقبرة من هذا المقابر أخبار، سوف أقصّ عليك من أنبائها ما انتهت إلى معرفته قدرتي إن شاء اللّه تعالى.
* ** ويذكر أهل العناية بالأمور المتقادمة أنّ الناس في الدّهر الأوّل لم يكونوا يدفنون موتاهم إلى أن كان زمن دوناي - الذي يدعى سيّد البشر، لكثرة ما علّم الناس من المنافع - فشكا إليه أهل زمانه ما يتأذّون به من خبث موتاهم، فأمرهم أن يدفنوهم في خوابي، ويسدّوا رءوسها، ففعلوا ذلك.
فكان دوناي أوّل من دفن الموتى.
وذكر أنّ دوناي هذا كان قبل آدم بدهر طويل، مبلغه عشرون ألف سنة، وهي دعوى لا تصحّ. وفي القرآن الكريم ما يقتضي أنّ قابيل بن آدم أوّل من دفن الموتى، واللّه أصدق القائلين (١).
وقد قال الشّافعيّ،﵀: وأكره أن يعظّم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا، مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده.
[ذكر القرافة]
روى التّرمذيّ من حديث أبي طيبة عبد اللّه بن مسلم، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه - رفعه -: «من مات من أصحابي بأرض، بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة». قال: وهذا حديث غريب، وقد روي عن أبي طيبة عن ابن بريدة مرسلا، وهذا أصحّ (٢).
قال أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر»: حدّثنا عبد اللّه بن صالح، حدّثنا الليث بن سعد، قال: سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطّم بسبعين ألف دينار، فعجب عمرو من ذلك، وقال: أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين. فكتب بذلك إلى عمر ﵁ فكتب إليه عمر: «سله لم أعطاك به ما
(١) يشير المقريزي إلى الآية رقم ٣١ سورة المائدة. (٢) الترمذي: الجامع الصحيح ١٤٥: ١٣ (باب المناقب)، ونصّ الحديث فيه: «ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلاّ بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة»؛ الموفق ابن عثمان: مرشد الزوار ١٢ - ١٣.