للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّعوة الأولى»، وهم يحكّمون نصوص التّوراة، ولا يلتفتون إلى قول من خالفها، ويقفون مع النصّ دون تقليد من سلف. وهم مع الرّبّانيين من العداوة بحيث لا يتناكحون، ولا يتجاورون، ولا يدخل بعضهم كنيسة بعض.

ويقال للقرّائين أيضا «المباديّة»، لأنّهم كانوا يعملون مبادي الشّهور من الاجتماع الكائن بين الشّمس والقمر، ويقال لهم أيضا/ «الأسمعيّة»، لأنّهم يراعون العمل بنصوص التّوراة دون العمل بالقياس والتّقليد (١).

وأمّا «العانانيّة» فإنّهم ينسبون إلى عانان رأس الجالوت الذي قدم من المشرق، في أيّام الخليفة أبي جعفر المنصور، ومعه نسخ «المشنا» الذي كتب من الخطّ الذي كتب من خطّ النبي موسى.

وأنّه رأى ما عليه اليهود من الرّبّانيين والقرّائين يخالف ما معه، فتجرّد لخلافهم، وطعن عليهم في دينهم، وازدرى بهم. وكان عظيما عندهم يرون أنّه من ولد داود وعلى طريق فاضلة من النسك على مقتضى ملّتهم، بحيث يرون أنّه لو ظهر في أيّام عمارة البيت لكان نبيّا، فلم يقدروا على مناظرته لما أوتي مع ما ذكرنا من تقريب الخليفة له وإكرامه (٢).

وكان ممّا خالف فيه اليهود استعمال الشّهور برؤية الأهلّة على مثل ما شرع في الملّة الإسلامية، ولم يبال في أي يوم وقع من الأسبوع، وترك حساب الرّبّانيين، وكبس الشّهور، وخطّأهم في العمل بذلك، واعتمد على كشف زرع الشّعير (٣)، وأجمل القول في المسيح عيسى بن مريم وأثبت نبوّة نبيّنا محمّد ، وقال: هو نبيّ أرسل إلى العرب، إلاّ أنّ التّوراة لم تنسخ.

والحقّ أنّه أرسل إلى الناس كافّة .

ذكر السّمرة

اعلم أنّ طائفة السّمرة ليسوا من بني إسرائيل ألبتّة، وإنّما هم قوم قدموا من بلاد المشرق، وسكنوا بلاد الشّام وتهوّدوا. ويقال إنّهم من بني سامرك بن كفركا ابن رمي - وهو شعب من شعوب الفرس - خرجوا إلى الشّام ومعهم الخيل والغنم


(١) فيما تقدم ٩٤٤؛ وانظر كذلك Nemoy، L.، El ٢ art.Karaites IV، pp. ٦٢٧ - ٣٢; Fau، J. -F.، Les Caraites، edition Brepols ٢٠٠٠.
(٢) البيروني: الآثار الباقية ٥٨ - ٥٩؛ الشهرستاني: الملل والنحل ١٩٦: ١؛ Vajda، G.، El ٢ art.c Ananiyya I، pp. ٤٩٥ - ٩٦؛ وفيما تقدم ٩٥٢.
(٣) نفسه ٥٨.