للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر ما عمله المسلمون عند فتح مصر في الخراج وما كان من أمر مصر في ذلك مع القبط]

قال زهير بن معاوية: حدّثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه :

«منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشّام مدّها ودينارها، ومنعت مصر أردبّها، وعدتم من حيث بدأتم».

قال أبو عبيد: قد أخبر بما لم يكن، وهو في علم اللّه كائن، فخرج لفظه على لفظ الماضي لأنّه ماض في علم اللّه. وفي إعلامه بهذا قبل وقوعه، ما دلّ على إثبات نبوّته، ودلّ على رضاه من عمر ما وظّفه على الكفرة من الخراج في الأمصار.

وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما أنّه علم أنّهم سيسلمون ويسقط عنهم ما وظّف عليهم، فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظّف عليهم، يدلّ عليه قوله «وعدتم من حيث بدأتم». وقيل معناه أنّهم يرجعون عن الطّاعة، والأوّل أحسن.

وقال ابن عبد الحكم، عن عبد اللّه بن لهيعة: لمّا فتح عمرو بن العاص مصر، صولح على جميع من فيها من الرّجال من القبط - ممّن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك، ليس فيهم امرأة ولا صبي ولا شيخ - على دينارين دينارين، فأحصوا لذلك (a) فبلغت عدّتهم ثمانية آلاف ألف.

وعن هشام بن أبي رقيّة اللّخمي أنّ عمرو بن العاص لمّا فتح مصر قال لقبط مصر: إنّ من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته. وأنّ قبطيّا من أهل (b) الصّعيد يقال له بطرس ذكر لعمرو أنّ عنده كنزا، فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد، فحبسه في السّجن وعمرو يسأل عنه: هل تسمعونه يسأل عن أحد؟ فقالوا: لا، إنّما سمعناه يسأل عن راهب في الطّور. فأرسل عمرو إلى بطرس فنزع خاتمه، ثم كتب إلى ذلك الرّاهب أن ابعث إليّ بما عندك، وختمه بخاتمه. فجاء الرّسول بقلّة شاميّة مختومة بالرّصاص، ففتحها عمرو فوجد فيها صحيفة مكتوب فيها «مالكم تحت الفسقيّة الكبيرة». فأرسل عمرو إلى الفسقيّة فحبس عنها الماء، ثم قلع البلاط الذي تحتها فوجد فيها اثنين وخمسين أردبّا ذهبا مصريّا مضروبة. فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد، فأخرج القبط كنوزهم شفقا أن يبغى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس.


(a) بولاق: فأحصوا ذلك.
(b) بولاق: أرض.