للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر تأريخ الخليقة]

اعلم أنّه لمّا كانت الحوادث لابدّ من ضبطها، وكان لا يضبط ما بين العصور وبين أزمنة الحوادث إلاّ بالتأريخ المستعمل العام الذي لا ينكره الجماعة أو أكثرها، وذلك أنّ التأريخ المجمع عليه لا يكون إلاّ من حادث عظيم يملأ ذكره الأسماع.

وكانت زيادة ماء النّيل ونقصانه إنّما يعتبرهما أهل مصر ويحسبون أيّامهما بأشهر القبط، وكذلك خراج أراضي مصر إنّما يحسبون أوقاته بذلك، وهكذا زراعات الأراضي إنّما يعتمدون في أوقاتها أيّام الأشهر القبطية عادة، وسلكوا فيها سبيل أسلافهم، واقتفوا مناهج قدمائهم - وما برح النّاس من قديم الدّهر أسراء العوايد - احتيج في هذا الكتاب إلى إيراد جملة من تواريخ (a) الخليقة لتعيين موقع تآريخ القبط منها، فإنّ بذكر ذلك يتمّ الغرض.

فأقول: التّأريخ عبارة عن يوم ينسب إليه ما يأتي بعده، ويقال أيضا: التأريخ عبارة عن مدّة معلومة، تعدّ من أوّل زمن مفروض، لتعرف بها الأوقات المحدودة؛ ولا غنى عن التأريخ في جميع الأحوال الدّنيوية والأمور الدّينية؛ ولكلّ أمّة (b)) من أمم البشر (b) تأريخ تحتاج إليه في معاملاتها وفي معرفة أزمنتها، تنفرد به دون غيرها من بقيّة الأمم.

وأوّل الأوائل القديمة وأشهرها هو كون مبدأ البشر، ولأهل الكتاب من اليهود والنّصارى والمجوس في كيفيته وسياقة التأريخ منه خلاف لا يجوز مثله في التواريخ. وكلّ ما تتعلّق معرفته ببدء الخلق وأحوال القرون السّالفة، فإنّه مختلط بتزويرات وأساطير، لبعد العهد وعجز المعتنى به عن حفظه. وقد قال اللّه : ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اَللّهُ﴾ [الآية ٩ سورة إبراهيم]. فالأولى ألاّ يقبل من ذلك إلاّ ما يشهد به كتاب أنزل من عند اللّه يعتمد على صحّته لم يرد فيه نسخ ولا طرقه تبديل، أو خبر ينقله الثّقات.

وإذا نظرنا في التأريخ وجدنا فيه بين الأمم خلافا كبيرا. وسأتلو عليك من ذلك ما لا أظنّك تجده مجموعا في كتاب، وأقدّم بين يدي هذا القول ما قيل في مدّة بقاء الدّنيا (c).


(a) بولاق: تاريخ.
(b-b)) ساقطة من ظ.
(c) ظ: وسأقص عليك من نبأ ذلك - ومن ذلك ما قيل في مدة بقاء الدنيا - ما لا تجده مجموعا في غير هذا الكتاب.