ولمّا تقدّم من القول في الأفلاك ما يتبيّن به، لمن ألهمه اللّه تعالى، كيف تكون الحركة التي بها اللّيل والنّهار وتركب الشّهور والأعوام منهما، جاز حينئذ الكلام على الأرض، فأقول: الجهات من حيث هي ستّ: الشّرق، وهو حيث تطلع الشّمس والقمر وسائر الكواكب في كلّ قطر من الأفق. والغرب، وهو حيث تغرب. والشّمال، وهو حيث مدار الجدي والفرقدين. والجنوب، وهو حيث مدار سهيل. والفوق، وهو ممّا يلي السّماء. والتّحت، وهو ممّا يلي مركز الأرض.
ذهب الجمهور إلى أنّ الأرض كالكرة، موضوعة في جوف الفلك كالمحّ في البيضة، وأنّها في الوسط، وبعدها في الفلك من جميع الجوانب (a) على التّساوي.
وزعم هشام بن الحكم (١) أنّ تحت الأرض جسما من شأنه الارتفاع، وهو المانع للأرض من الانحدار، وهو ليس محتاجا إلى ما بعده، لأنّه ليس يطلب الانحدار بل الارتفاع. وقال آخر (b):
إنّ اللّه وقفها بلا عماد.
وقال ديمقراطيس: إنّها تقوم على الماء، وقد حصر الماء تحتها حتى لا يجد مخرجا فيضطرّ إلى الانتقال (٢).
وقال آخر: هي واقفة على الوسط على مقدار واحد من كلّ جانب، والفلك يجذبها من كلّ وجه، فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون أخرى (c)، لأنّ قوّة الأجزاء متكافئة، وذلك كحجر المغناطيس في جذبه الحديد، فإنّ الفلك بالطّبع مغناطيس الأرض، فهو يجذبها فهي واقفة في الوسط، وسبب وقوفها في الوسط سرعة تدوير الفلك ودفعه إيّاها من كلّ جهة إلى
(a) بولاق: الجهات. (b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: ناحية. (١) أبو محمد هشام بن الحكم الكوفي شيخ الإمامية في وقته، وكان منقطعا إلى يحيى بن خالد البرمكي، وكان ينزل بالكرخ في الجانب الغربي من بغداد، توفي بعد نكبة البرامكة بفترة قصيرة وهو مستتر. (ابن النديم: الفهرست ٢٢٣ - ٢٢٤؛ المسعودي: مروج الذهب ٢٣٨: ٤)، وانظر فيما يلي ٣٤٨: ٢، ٣٥٣. (٢) انظر ياقوت: معجم البلدان ١٦: ١.