للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا حفر أساس هذه الدّار، وجد فيه هيئة قبّة معقودة من لبن، وفي داخلها إنسان ميّت قد بليت أكفانه، وصار عظما نخرا، وهو في غاية طول القامة يكون قدر خمسة أذرع، وعظام ساقيه خلاف ما عهد من الكبر، ودماغه عظيم جدّا.

فلمّا كملت هذه الدّار سكنها أيّام مباشرته وظيفة كتابة السّرّ إلى أن مات بها، وقد حبسها على أولاده، فاستمرّت بأيديهم إلى أن أخذها منهم الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار، كما أخذ غيرها من الأوقاف، فاستمرّت في جملة ما بيده إلى أن قتله الملك النّاصر فرج، فقبضها فيما قبض ممّا خلّفه جمال الدّين.

فلمّا قتل الملك النّاصر فرج، واستقلّ الملك المؤيّد شيخ بمملكة مصر، استرجع أولاد جمال الدّين ما كان أخذه النّاصر من أملاك جمال الدّين، وصارت بأيديهم إلى أن وقف له أولاد أوحد الدّين في طلب دار أبيهم، فعقد لذلك مجلس اجتمع فيه القضاة، فتبينّ الحقّ (a) بيد أولاد أوحد الدّين، فقضى بإعادة الدّار إلى ما وقفها عليه أوحد الدّين، فتسلّمها أولاد أوحد الدّين من ورثة جمال الدّين، وهي الآن بأيديهم.

عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين الحنفي، أوحد الدّين كاتب السّرّ (١) -

ولد بالقاهرة، ونشأ بها في كنف قاضي القضاة جمال الدّين عبد اللّه بن عليّ التّركماني الحنفي لصهارة كانت بين أبيه وبين التّركمانية، وباشر توقيع الحكم مدّة.

واتّفق أنّ أميرا من أمراء الملك الأشرف شعبان بن حسين، يعرف بيونس الرّمّاح، مات، فادّعى برقوق العثماني - أحد المماليك اليلبغاوية - أنّه ابن عمّ يونس هذا، وأنّه يستحق إرثه لموته عن غير ولد، وحضر إلى المدرسة الصّالحيّة بين القصرين - حيث يجلس القضاة للحكم بين النّاس - حتى يثبت ما ادّعاه. فلما أراده اللّه (b) من إسعاد جدّ أوحد الدّين، لم يقف برقوق على أحد من موقّعي الحكم إلاّ عليه، وأخبره بما يريد، فبادر إلى توريق سؤال باسم برقوق، وإنهائه أنّه ابن عمّ


(a) بولاق: أن الحق.
(b) بولاق: فلما أراد اللّه.
(١) أوحد الدّين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي فيض الإفريقي المصري الحنفي كاتب السّرّ، المتوفى بالقاهرة سنة ٧٨٦ هـ/ ١٣٨٤ م. (راجع، المقريزي: السلوك ٥٢٦: ٣؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٣٤: ٣ وإنباء الغمر ٢٩٥: ١؛ ابن قاضي شهبة: تاريخ ١٤٦: ١؛ أبا المحاسن: المنهل الصافي ٣٧٦: ٧ - ٣٧٧ والنجوم الزاهرة ٢٢٨: ١١، ٣٠١؛ الصيرفي: نزهة النفوس ١٠٨: ١).