يونس الرّمّاح، وأنّ عنده بيّنة تشهد بذلك، ودخل بهذا السّؤال إلى قاضي القضاة، وأنهى العمل حتى ثبت أنّ برقوق ابن عمّ يونس يستحق إرثه.
فلمّا فرغ من ذلك دفع برقوق إلى أوحد الدّين مبلغ ذلك (a) أجرة توريقه، كما هي عادة أهل مصر في هذا، فامتنع من أخذها، وألحف برقوق في سؤاله وهو يمتنع. فتقلّد له برقوق المنّة بذلك، واعتقد أمانته وخيره، وصار - لكثرة ركونه إليه - إذا قدم فلاّحو إقطاعه يبعثهم إليه حتى يحاسبهم عمّا حملوه من الخراج.
فلمّا قتل الملك الأشرف، وثارت المماليك وكان من أمرهم ما كان إلى أن تغلّب برقوق، وصار من جملة الأمراء، واستولى على الإسطبل السّلطاني في شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وسبع مائة، وصار أمير آخور أقام أوحد الدّين موقّعا عنده.
وما زال أمر برقوق يزداد قوّة حتى أنيطت به أمور المملكة كلّها، فصار أوحد الدّين صاحب الحلّ والعقد، وكاتب السّرّ بدر الدّين محمد بن عليّ بن فضل اللّه اسما لا معنى له إلى أن جلس الأمير برقوق على تخت المملكة في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبع مائة، فقرّر القاضي أوحد الدّين في وظيفة كتابة السّرّ عوضا عن ابن فضل اللّه، وخلع عليه في يوم السبت ثاني عشر شوّال من السنة المذكورة. فباشر كتابة السّرّ على القالب الجاير، وضبط الأمور أحسن ضبط، وعكف سائر النّاس على بابه لتمكّنه من سلطانه.
وكان الأمير يونس الدّوادار يرى أنّه أكثر النّاس من الأمراء تمكينا من السّلطان، وجرت العادة/ بانتماء كاتب السّرّ إلى الدّوادار. فأحبّ أوحد الدّين الاستبداد على الأمير يونس الدّوادار، فقال للسّلطان سرّا في غيبة يونس: إنّ السّلطان يرسم بكتابة مهمّات الدّولة وأسرار المملكة إلى البلاد الشّامية وغيرها، والأمير الدّوادار يريد من المملوك أن يطّلع على ذلك، فلم يقدر المملوك على مخالفته، ولا أمكنه إعلامه إلاّ بإذن. فأنف السّلطان من ذلك، وقال: الحذر أن يطّلع على شيء من مهمّات السّلطان أو أسراره؛ فقال: أخاف منه إن سأل ولم أعلمه؛ فقال السّلطان: ما عليك منه. فرأى أنّه قد تمكّن حينئذ فأمسك أيّاما.
ثم أراد الازدياد من الاستبداد، فقال للسّلطان سرّا: قد رسم السّلطان ألاّ يطّلع أحد على سرّ السّلطان، ولا يعرف بما يكتب من المهمّات وطائفة البريديّة كلّهم يمشون في خدمة الدّوادار،