للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وولي عبد/ الرّحيم بن إلياس دمشق فسار إليها في جمادى الآخرة سنة تسع وأربع مائة، فأقام فيها شهرين، ثم هجم عليه قوم فقتلوا جماعة ممّن عنده، وأخذوه في صندوق وحملوه إلى مصر، ثم أعيد إلى دمشق، فأقام بها إلى ليلة عيد الفطر وأخرج منها (١).

فلمّا كان لليلتين بقيتا من شوّال سنة إحدى عشرة وأربع مائة، فقد الحاكم - وقيل إنّ أخته قتلته، وليس بصحيح - وكان عمره ستّا وثلاثين سنة وسبع أشهر، وكانت مدّة خلافته خمسا وعشرين سنة وشهرا، وكان جوادا، سفّاكا للدّماء، قتل عددا لا يحصى، وكانت سيرته من أعجب السّير، وخطب له على منابر مصر والشّام وإفريقيّة والحجاز.

وكان يشتغل بعلوم الأوائل، وينظر في النّجوم، وعمل رصدا، واتّخذ بيتا في المقطّم ينقطع فيه عن النّاس لذلك. ويقال إنّه كان يعتريه جفاف في دماغه، فلذلك كثر تناقضه. وما أحسن ما قال فيه بعضهم: «كانت أفعاله لا تعلّل، وأحلام وساوسه لا تؤوّل» (٢).

وقال المسبّحيّ: وفي محرّم سنة خمس عشرة وأربع مائة، قبض على رجل من بني حسين ثار بالصّعيد الأعلى، فأقرّ بأنّه قتل الحاكم بأمر اللّه في جملة أربعة أنفس تفرّقوا في البلاد، وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه. فقيل له: لم قتلته؟ فقال:

غيرة للّه وللإسلام؛ فقيل له: كيف قتلته؟ فأخرج سكّينا ضرب بها فؤاده فقتل نفسه، وقال:

هكذا قتلته. فقطع رأسه، وأنفذ به إلى الحضرة مع ما وجد معه (٣).

وهذا هو الصّحيح في خبر قتل الحاكم، لا ما تحكيه المشارقة في كتبهم من أنّ أخته قتلته.

[جامع الفيلة]

هذا الجامع بسطح الجرف المطلّ على بركة الحبش - المعروف الآن بالرّصد - بناه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي في شعبان سنة ثمان وتسعين (a) وأربع مائة، وبلغت النّفقة على بنائه ستة آلاف دينار (٤).


(a) بولاق: سبعين.
(١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ١١٤: ٢.
(٢) نفسه ١١٧: ٢ ومصدره فيه ابن أبي طي.
(٣) المسبحي: أخبار مصر ٢٧ - ٢٨؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٠: ٢؛ وفيما تقدم ١٨٩: ٢.
(٤) توفي الوزير الأفضل مقتولا سنة ٥١٥ هـ/ ١١٢١ م قبل أن يتمّ بناء الجامع، فأكمله خلفه الوزير المأمون البطائحي -