للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب نسخة يمين بذلك حلف عليها الملك شكندة، ونسخة يمين أخرى حلفت عليها الرّعيّة (١).

وخرّب الأميران كنائس النّوبة، وأخذ ما فيها، وقبض على نحو عشرين أميرا من أمراء النّوبة، وأفرج عمّن كان بأيدي النّوبة من أهل أسوان وعيذاب من المسلمين في أسرهم.

وألبس شكندة تاج الملك، وأقعد على سرير المملكة، بعد ما حلف والتزم أن يحمل جميع ما لداود ولكلّ من قتل وأسر من مال ودوابّ إلى السّلطان مع البقط القديم، وهو أربع مائة رأس من الرّقيق في كلّ سنة وزرافة (من ذلك ما كان للخليفة ثلاث مائة وستون رأسا، ولنائبه بمصر أربعون رأسا)، على أن يطلق لهم إذا وصلوا بالبقط تامّا من القمح ألف أردبّ لمتملّكهم، وثلاث مائة أردبّ لرسله.

[ذكر صحراء عيذاب]

اعلم أنّ حجّاج مصر والمغرب أقاموا زيادة على مائتي سنة لا يتوجّهون إلى مكّة - شرّفها اللّه تعالى - إلاّ من صحراء عيذاب، يركبون النّيل من ساحل مدينة مصر الفسطاط إلى قوص، ثم يركبون الإبل من قوص ويعبرون هذه الصّحراء إلى عيذاب (٢)، ثم يركبون


(١) انظر نصّ هذه الأيمان عند النويري: نهاية الأرب ٣٤٦: ٣٠ - ٣٤٧.
(٢) عيذاب: ميناء على الساحل المصري للبحر الأحمر، ما زالت ترى أنقاضه على أرض منبسطة لا يصل إليها الماء على بعد عشرين كيلومترا شمال مدينة حلايب الحالية. ورد ذكرها في المصادر العربية منذ القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي كميناء يتردّد عليه حجّاج بيت اللّه والتجار المتوجّهين إلى اليمن والهند. واستمدّت عيذاب أهميتها ابتداء من القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي مع تنامي الاستراتيجية الشرقية للفاطميين وازدهار التجارة الكارمية (ناصر خسرو: سفرنامه ١١٨؛ ابن جبير: الرحلة ٤٥؛ المقريزي: السلوك ٦٤: ١ (المكوس التي ألغاها صلاح الدين)؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٤٩٨ - ٥٠٠). وبدأ ميناء عيذاب يفقد أهميته ابتداء من عام ٧٦٠ هـ/ ١٣٥٩ م عندما توقّف التجار عن استخدامه بسبب ثورة القبائل الجنوبية (البجة وهوّارة والنوبة) وتمرّدها الذي جعل من طريق عيذاب - قوص طريقا غير آمن. وتظلّ معلوماتنا حول انهيار ميناء عيذاب وزوال دوره يكتنفه الغموض، فتتوقّف المعلومات المدوّنة عنه بطريقة غريبة في منتصف القرن الثامن الهجري إلى أن يخبرنا الرحالة المغربي الحسن بن محمد الوزّان Jean-Leon l'Africain في مطلع القرن العاشر الهجري - وهو يتحدّث عن جماعة البجة - أنهم كانت لهم في الماضي مدينة ضخمة على البحر الأحمر تدعى عيذاب حيث كان يقوم ميناء يقع مباشرة تجاه مدينة جدة ميناء مكة، ولكن منذ مائة عام قام هؤلاء البجة بنهب قافلة كانت تنقل السلع والأقوات إلى مكة، فأرسل سلطان مصر أسطولا احتلّ المدينة وخرّب ميناءها (وصف إفريقيا ٥٥٨ - ٥٥٩)، وواضح أنّ السلطان الذي قام بهذا العمل هو السلطان المملوكي