فأنشأ النّاس عدّة سواق، وجرت فيه السّفن بالغلال وغيرها. فسرّ السّلطان بذلك، وحصل للنّاس رفق، وقويت رغبتهم فيه، فاشتروا عدّة أراض من بيت المال غرست فيها الأشجار، وصارت بساتين جليلة. وأخذ النّاس في العمارة على حافتي الخليج، فعمّر ما بين المقس وساحل النّيل ببولاق، وكثرت العمائر على الخليج حتى اتّصلت من أوّله بموردة البلاط إلى حيث يصبّ في الخليج الكبير بأرض الطّبّالة، وصارت البساتين من وراء الأملاك المطلّة على الخليج.
وتنافس النّاس في السّكنى هناك، وأنشأوا الحمّامات والمساجد والأسواق. (a)) واستخرج من هذا الخليج عدّة خلج - وهي: خليج قنطرة الفخر وخليج الغزلان - أنشئ عليها الدّور فكانت من كثرتها تعدّ مدينة بمفردها (a). وصار هذا الخليج مواطن أفراح، ومنازل لهو، ومغنى صبابات، وملعب أتراب، ومحل تيه وقصف فيما يمرّ فيه من المراكب، وفيما عليه من الدّور. وما برحت مراكب النّزهة يمرّ فيه بأنواع النّاس على سبيل اللّهو، إلى أن منعت المراكب منه بعد قتل الأشرف، كما يرد عند ذكر القناطر إن شاء اللّه (١).
[ذكر خليج قنطرة الفخر]
هذا الخليج يبتدئ من الموضع الذي كان ساحل النّيل ببولاق، وينتهي إلى حيث يصبّ في الخليج النّاصري، ويصبّ أيضا في خليج لطيف تسقى منه عدّة بساتين (٢). وكلّ من هذين الخليجين معمور الجانبين بالأملاك المطلّة والبساتين. وجميع المواضع التي يمرّ فيها الخليج النّاصري، وأرض هذين الخليجين، كانت غامرة بالماء، ثم انحسر عنها الماء شيئا بعد شيء كما ذكر في ظواهر القاهرة، وهذا الخليج حفر بعد الخليج النّاصريّ (b) (٣).
(a-a) إضافة من مسودة الخطط. (b) هنا على هامش آياصوفيا: بياض خمسة أسطر. (١) فيما يلي ٥٠٣ - ٥٠٤. (٢) خليج قنطرة الفخر. كان فمه يأخذ من النيل تجاه مدخل شارع إسطبلات الطّرق ببولاق، ثم يسير بالشارع المذكور إلى أن يتلاقى بشارع فؤاد الأوّل (٢٦ يولية)، ومن هناك يسير إلى الشرق حتى يتلاقى بشارع رمسيس تجاه مدخل شارع عرابي، ومن هناك يسير في جزء صغير من المجرى القديم لخليج الذّكر ومنه يصبّ في الخليج النّاصري عند النقطة التي يتلاقى فيها شارع عماد الدّين بشارع قنطرة الدّكّة. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٢٤: ٩ - ١٢٥ هـ ٣). (٣) أضاف ابن أبي السّرور البكري: «وهذا الخليج بالقرب من قنطرة اللّيمون (أي قنطرة باب البحر، فيما يلي ٥٠٤ - ٥٠٥) وقد طمّ ودثر الآن». (قطف الأزهار).