للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنزل من قلعة الجبل بالمهندسين وأرباب الخبرة إلى شاطئ النّيل، وركب النّيل. فلم يزل القوم في فحص وتفتيش إلى أن وصلوا بالمراكب إلى موردة البلاط (١) من أراضي بستان الخشّاب، فوجدوا ذلك الموضع أوطأ مكان يمكن أن يحفر إلاّ أنّ فيه عدّة دور. فاعتبروا فم الخليج من موردة البلاط، وقدّروا أنّه إذا حفر مرّ الماء فيه من موردة البلاط إلى الميدان الظّاهري الذي أنشأه الملك النّاصر بستانا، ويمرّ من البستان إلى بركة قرموط حتى ينتهي إلى ظاهر باب البحر (٢)، ويمرّ من هناك على أرض الطّبّالة فيصبّ في الخليج الكبير.

فلمّا تعيّن لهم ذلك عاد النّائب إلى القلعة وطالعه بما تقرّر. فبرز أمره لسائر أمراء الدّولة بإحضار الفلاّحين من البلاد الجارية في إقطاعاتهم، وكتب إلى ولاة الأعمال بجمع الرّجال لحفر الخليج. فلم يمض سوى أيّام قلائل حتى حضر الرّجال من الأعمال، وتقدّم إلى النّائب بالنّزول للحفر ومعه الحجّاب. فنزل لعمل ذلك، وقاس المهندسون طول الحفر من موردة البلاط - حيث تعيّن فم الخليج - إلى أن يصبّ في الخليج الكبير، وألزم كلّ أمير من الأمراء بعمل أقصاب فرضت له.

فلمّا أهلّ شهر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبع مائة، وقع الشّروع في العمل. فبدأوا بهدم ما كان هناك من الأملاك التي من جهة باب اللّوق إلى بركة قرموط، وحصل الحفر في البستان الذي كان للنّائب (٣)، فأخذوا منه قطعة، ورسم أن يعطي أرباب الأملاك أثمانها: فمنهم من باع ملكه وأخذ ثمنه من مال السّلطان، ومنهم من هدم داره ونقل أنقاضها. فهدمت عدّة دور ومساكن جليلة، وحفر في عدّة بساتين، فانتهى العمل في سلخ جمادى الآخرة على رأس شهرين، وجرى الماء فيه عند زيادة النّيل (٤).


= ٨٠: ٩ هـ ١، ١٨٢ - ١٨٣؛ جومار: وصف مدينة القاهرة ١٦٠ - ١٦١).
(١) موردة البلاط. كانت تقع على شاطئ النيل في نهاية بستان الخشّاب من الجهة الغربية، ومحلّها الآن يقع بطريق كورنيش النيل في المسافة الممتدة على النيل غربي شارعي حوض اللبن ودار الشفاء بحي جاردن سيتي.
وعرفت أيضا بموردة الجبس لأنّ المراكب التي كانت تنقل صنفي البلاط والجبس من محاجرهما في ذلك الوقت كانت تفرّع مشحونها على شاطئ النيل في تلك الجهة. (محمد رمزي: مذكرة في تسمية الشوارع ١٨؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٨١: ٩ هـ ٢).
(٢) انظر عن باب البحر، فيما تقدم ٣١٥ هـ ٣.
(٣) حاشية بخطّ المؤلّف: «بستان النّائب هذا من جملة بستان الشّريف ابن ثعلب، عرف بعد ذلك ببستان ابن غراب، وهو على شاطئ الخليج النّاصري وبه جوسق، وهو على يمنة من سلك من قنطرة قدادار بشاطئ الخليج من جانبه الشرقي إلى بركة قرموط».
يدلّ على موقع هذا البستان - الذي كان على الشاطئ الشرقي للخليج النّاصري - الآن كتلة المباني الواقعة بين شارع الشّريفين وشارع القاضي الفاضل بحري جامع جركس وجنوبي شارع قصر النيل. (محمد رمزي: مذكرة في تسمية الشوارع ١٨).
(٤) ابن أبيك: كنز الدرر ٣١٩: ٩؛ المقريزي: السلوك ٢٦١: ٢ - ٢٦٢؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٤٥٥: ١/ ١ - ٤٦٠.