فلمّا دخل الآمر وقرأ الأشعار، أمر أن يحطّ على كلّ رفّ صرّة مختومة فيها خمسون دينارا، وأن يدخل كلّ شاعر ويأخذ صرّته بيده. ففعلوا ذلك وأخذوا صررهم، وكانوا عدّة شعراء.
[البساتين]
وكان للخلفاء عدّة بساتين (١) يتنزّهون بها، منها البساتين الجيوشيّة، وهما بستانان كبيران:
أحدهما من عند زقاق الكحل خارج باب الفتوح إلى المطريّة، والآخر يمتدّ من خارج باب القنطرة إلى الخندق وكان لهما شأن عظيم (٢).
ومن شدّة غرام الأفضل بالبستان الذي كان يجاور بستان البعل، عمل له سورا مثل سور القاهرة، وعمل فيه بحرا كبيرا وقبّة عشاري تحمل ثمانية أرادبّ، وبنى في وسط البحر منظرة محمولة على أربع عواميد من أحسن الرّخام، وحفّها بشجر النارنج، فكان نارنجها لا يقطع حتّى يتساقط، وسلّط على هذا البحر أربع سواق، وجعل له معبرا من نحاس مخروط زنته قنطار، وكان يملأ في عدّة أيام. وجلب إليه من الطّيور المسموعة شيئا كثيرا، واستخدم للحمام الذي كان به عدّة مطيّرين، وعمّر به أبراجا عدّة للحمام والطّيور المسموعة، وسرّح فيه كثيرا من الطّاووس.
وكان البستانان اللّذان على يسار الخارج من باب الفتوح بينهما بستان الخندق، لكلّ منهما أربعة أبواب من الأربع جهات، على كلّ منها عدّة من الأرمن. وجميع الدّهاليز مؤزّرة بالحصر العبداني، وعلى أبوابها سلاسل كثيرة من حديد، ولا يدخل منها إلاّ السّلطان وأولاده وأقاربه (٣).
قال ابن عبد الظّاهر: واتّفقت جماعة على أنّ الذي يشتمل عليه بيوعهما (a) في السّنة، من زهر وثمر، نيّف وثلاثون ألف دينار، وأنّها لا تقوّم بمؤنهما على حكم اليقين لا الشك. وكان
(a) بولاق: مبيعهما. (١) حاشية بخط المؤلّف: «البستان أصله بالفارسية براستان ومعناه معادن الروائح، وذلك أن منوشجهر ابن إيرج ابن فريدبست بن أتفنيان (كذا) أحد ملوك الفرس الأول الذين يقال لهم النيشدانية نقل من الجبال أنواعا من الرياحين وأحاط عليها فلما فاحت روائحها سمّي تلك الحيطان براستان». (٢) يعادل زقاق الكحل اليوم الشارع المعروف بسكة الظاهر أو شارع المنسي خارج باب الفتوح وجنوب جامع الظاهر بيبرس. والخندق يعادل منطقة الدّمرداش الآن خلف شارع رمسيس. (٣) هذا النص نقله المقريزي بتصرف عن ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٣٩؛ المقريزي: مسودة المواعظ ٣٩٠.