للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيهما، أنّ المعلّمين لمّا أرصدوا أنفسهم لتعليم الصّبيان ابتغوا على تعليمهم جعلا، ثم لمّا كثروا صار كلّ واحد منهم يرضى عن العمل الكثير والشّغل الطّويل بالجعل اليسير، خوفا من أنّه إن لم يجب إلى التّعليم بما جعل له من الجعل الضّعيف أجاب صاحبه. وهم مع ذلك يطمعون في أطعمة الصّبيان فيغالبونهم عليها ويجعلهم الشّره على ضروب من التّذلّل؛ من رضي بمثله لنفسه لم يوقّر ولم يبجّل.

فكان اتّضاعهم من هذا الوجه لا من قبل تعليمهم القرآن، فإنّ نفس التّعليم يوجب التّفضيل والتّشريف؛ ومن احتقر معلّما لأجل تعليمه خيف عليه، فقد بعث اللّه تعالى جبريل ليعلّم النّبي القرآن وقد علّمه شديد القوى، وما تعلّمه أوّل من تعلّمه من الأمّة إلاّ من رسول اللّه ، فكيف يجوز لأحد أن يترفّع عن تعليمه أو يحتقر من يقصد التّعليم.

النّهي عن سؤال النّاس صدقاتهم في المساجد

عن عمر لا تسألوا النّاس في مساجدهم، ولكن سلوهم في منازلهم، فمن أعطى أعطى ومن منع منع. وعن الحسن يرفعه قال: ينادي مناد يوم القيامة: «ليقم بغيض اللّه فيقوم سؤّال المساجد». ورأى عائذ بن عمرو رجلا يقرأ ويسأل فعلا رأسه بالسّوط ضربا حتى سبقه عدوا ثم قال: ما كنت أرى أن أبقى حتى أرى أحدا يسأل بكتاب اللّه شيئا.

وكان الحسن يجلس السّؤّال يوم الجمعة عند الخطبة.

وسمع مسروق رجلا يقول: أين الزّاهدون في الدّنيا الرّاغبون في الآخرة، فقال: إنّي لأكره أن أعطي مثل هذا الرّجل. وكان سلمة إذا سئل بوجه اللّه أنف وقال: إذا لم نعط بوجه اللّه فبماذا نعطي، وكان يقول: هي مسألة إلحاف.

وقام رجل في مسجد فيه عويم بن ساعدة - أحد من شهد بدرا - فقال: إنّي أسألكم بوجه اللّه الكريم، فقال عويم: كذبت قبّحك اللّه، ليس بوجه اللّه الكريم سألتنا، ولكن سألتنا بوجهك الرّقيق اللّئيم. وكره عطاء أن يسأل بوجه اللّه شيء إلاّ ما كان من أمر الآخرة.