ويقال إنّ أحمد بن طولون رأى في منامه كأنّ اللّه تعالى قد تجلّى ووقع نوره على المدينة التي حول الجامع، إلاّ الجامع فإنّه لم يقع عليه من النّور شيء. فتألّم وقال: واللّه ما بنيته إلاّ للّه خالصا ومن المال الحلال الذي لا شبهة فيه (١). فقال له معبّر حاذق: هذا الجامع يبقى ويخرب كلّ ما حوله، لأنّ اللّه تعالى قال: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الآية ١٤٣ سورة الأعراف]، فكلّ شيء يقع عليه جلال اللّه ﷿ لا يثبت. وقد صحّ تعبير هذه الرّؤيا (a)، فإنّ جميع ما حول الجامع خرب دهرا طويلا - كما تقدّم في موضعه من هذا الكتاب - وبقي الجامع عامرا، ثم عادت العمارة لما حوله كما هي الآن.
وقال القضاعي: وذكر أنّ السّبب في بنائه أنّ أهل مصر شكوا إليه ضيق الجامع يوم الجمعة بجنده وسودانه، فأمر بإنشاء المسجد الجامع بجبل يشكر بن جذيلة من لخم. فابتدأ بنيانه في سنة ثلاث وستين ومائتين، وفرغ منه سنة خمس وستين ومائتين (b)؛ (c)) وقيل إنّه بناه في صفر سنة تسع وخمسين (c) (٢)!
وقيل إنّ أحمد بن طولون قال: أريد أن أبني بناء إن احترقت مصر بقي، وإن غرقت بقي.
فقيل له: يبنى بالجير والرّماد والآجرّ الأحمر القوي النّار إلى السّقف، ولا يجعل فيه أساطين رخام، فإنّه لا صبر لها على النّار. فبناه هذا البناء وعمل في مؤخّره ميضأة، وخزانة شراب فيها جميع الشّرابات والأدوية وعليها خدم، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصّلاة. وبناه على بناء جامع سامرّا، وكذلك المنارة، وعلّق فيه سلاسل النّحاس المفرّغة والقناديل المحكمة، وفرشه بالحصر العبدانية والسّامانية (٣).
[حديث الكنز]
قال جامع «السّيرة»: لمّا ورد على أحمد بن طولون كتاب المعتمد بما استدعاه من ردّ الخراج بمصر إليه، وزاده المعتمد - مع ما طلب - الثّغور الشّاميّة، رغب بنفسه عن أدناس المعاون (d) ومرافقها، فأمر بتركها وكتب بإسقاطها في سائر
(a) المسودة: تفسير هذا المنام. (b) النسخ والمسودة: سنة ستّ وستين ومائتين، والتاريخ الصّواب هو الوارد في النّصّ والذي جاء أيضا في طبعة بولاق. (c-c) إضافة من المسودة. (d) بولاق: عن المعادن، والمثبت من النسخ والمسودة. (١) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٧٦؛ ابن أبيك: كنز الدرر ٢٨٥: ٥. (٢) ابن دقماق: الانتصار ١٢٢: ٤؛ المقريزي: مسوّدة الخطط ٧٣ و- ظ. (٣) نفسه ١٢٢: ٤ - ١٣٢، وبدأ الخبر بالعبارة التالية: «نقلت من خطّ الحافظ جمال الدّين اليغموري … ».