للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الخوانك]

الخوانك (الخوانق) هي المؤسّسة الدّينية الثّالثة التي انتشرت في القاهرة وظواهرها، على الأخصّ في العصر المملوكي (١). حقيقة أنّ صلاح الدّين يوسف بن أيّوب حوّل أحد الدّور الفاطمية المواجهة لدار الوزارة الفاطمية الكبرى (التي حلّ محلّها الآن خانقاه بيبرس الجاشنكير بشارع الجمالية) إلى دويرة للصّوفيّة عرفت ب «الخانكاه الصّلاحيّة سعيد السّعداء» (فيما يلي ٧٢٧)، إلاّ أنّ انتشار الخوانك لم يبرز بشكل واسع إلاّ في العصر المملوكي، وتواكب ذلك مع انتشار التّصوّف في مصر في هذا العصر.

وليس هنا مجال الحديث عن التّصوّف وكيفية انتشاره في مصر، ولكن من خلال عبارة للمقريزي يصف فيها وضع المتصوّفة في عصره، نعرف أنّ التّنظيم الصّوفي وصل في مطلع القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي إلى حالة واضحة من التّدهور، يقول المقريزي:

«وتلاشى الآن حال الصّوفيّة ومشايخها حتى صاروا من سقط المتاع لا ينسبون إلى علم ولا ديانة، وإلى اللّه المشتكى!» (فيما يلي ٧٢٦).

وترجع جميع الخوانك التي ذكرها المقريزي، وعددها اثنتان وعشرون خانكاه، إلى العصر المملوكي البحري، فيما عدا «الخانكاه الصّلاحيّة سعيد السّعداء» التي ترجع إلى العصر الأيّوبي، و «الخانكاه الظّاهريّة برقوق» و «خانكاه يونس الدّودار» و «خانكاه ابن غراب» التي ترجع إلى صدر العصر المملوكي الشّركسي.

كانت «خانكاه سعيد السّعداء» هي أوّل دار خصّصت للصّوفيّة في مصر، حيث جعلها صلاح الدّين بعد استيلائه على السّلطة في مصر «برسم الفقراء الصّوفيّة الواردين من البلاد


(١) انظر أصل الكلمة ومعناها، فيما يلي ٧٢٤. وكان الظهور الأول للخوانك في إيران في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي ونمت في القرن الخامس الهجري. واستلزم تخطيطها وجود قسمين: قسم لاجتماع الشيخ بمريديه أطلق عليه بالفارسية «جماعت خانه»، وقسم آخر يضمّ الخلاوي والحجرات والمطبخ. (دولت عبد اللّه: معاهد تزكية النفوس في مصر ٢٣)؛ وفيما تقدم ٤٩ * حيث أشرت إلى أنّ «الخوانك» كانت جزء أساسيّا من النّظام الدّيني للفرقة الكرّامية، وقد شاهد الجغرافي المقدسي لهم ببيت المقدس «خوانق ومجالس» حول قبر ابن كرّام (أحسن التقاسيم ١٩: ١٧٩).