للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ستّ وثمان مائة وقصر جري النّيل في مدّه، وخربت البلاد الشّامية بدخول الطّاغية تيمورلنك وتحريقها وقتل أهلها، وارتفاع أسعار الدّيار المصرية، وكثرة الغلاء فيها وطول مدّته، وتلاف النّقود المتعامل بها وفسادها، وكثرة الحروب والفتن بين أهل الدولة، وخراب بلاد (a) الصّعيد وجلاء أهله عنه، وتداعي أسفل أرض مصر من البلاد الشرقية والغربية إلى الخراب، واتّضاع أمور ملوك مصر، وسوء حال الرّعيّة، واستيلاء الفقر والفاقة (a) والحاجة والمسكنة على النّاس وكثرة تنوّع المظالم الحادثة من أرباب الدّولة بمصادرة الجمهور، وتتبّع أرباب الأموال واحتجاز (b) ما بأيديهم من المال بالقوّة والقهر والغلبة، وطرح البضائع ممّا يتّجر فيه السّلطان وأصحابه على التجّار والباعة بأغلى الأثمان، إلى غير ذلك ممّا لا يتّسع لأحد ضبطه، ولا تسع الأوراق حكايته، كثر الخراب بالأماكن التي تقدّم ذكرها وعمّ سائرها، وصارت كيمانا وخرائب موحشة مقفرة يأويها البوم والرّخم، أو مستهدمة واقعة أو آيلة إلى السّقوط والدّثور، سنّة اللّه التي قد خلت في عباده، ولن تجد لسنّة اللّه تبديلا (١).

ذكر طرف ممّا قيل في القاهرة ومتنزّهاتها

قال أبو الحسن عليّ بن رضوان الطّبيب: ويلي الفسطاط - في العظم وكثرة النّاس - القاهرة، وهي في شمال الفسطاط، وفي شرقيها أيضا الجبل المقطّم يعوق عنها ريح الصّبا، والنّيل منها أبعد قليلا، وجميعها مكشوف للهواء، وإن كان عمل فوق (٢) ربّما عاق عن بعض ذلك.

وليس ارتفاع الأبنية بها كارتفاع أبنية (a) الفسطاط لكن دونها كثيرا، وأزقّتها وشوارعها - بالقياس إلى أزقّة الفسطاط وشوارعها - أنظف وأقلّ وسخا وأبعد من العفن، وأكثر شرب أهلها من مياه الآبار، (c) وإذا هبّت الرّيح تحرقها (c) وإذا هبّت ريح الجنوب أحدرت (d) من بخار الفسطاط على القاهرة شيئا كثيرا، وقرب مياه آبار القاهرة من وجه الأرض - مع سخافتها - موجب ضرورة أن تكون يصل إليها بالرّشح من عفونة الكنف شيء ما.


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: واحتجاب.
(c) (c-c) ساقطة من بولاق.
(d) بولاق: أخذت.
(١) تمثل هذه الفقرة نظرة نقدية ثاقبة لأحوال مصر في زمن المقريزي، والتي أرجع المقريزي سببها في مواضع أخرى من كتبه إلى سوء تدبير السلطان الناصر فرج بن برقوق (انظر السلوك ٢٢٥: ٤، ٢٢٦، ٢٢٧).
(٢) انظر عن عمل فوق فيما تقدم ٣٩.