مالا عظيما، حتى تمّ ترتيبه. وكان ذلك في سنة تسع وخمسين وستّ مائة (١).
وما زال أمر البريد مستمرّا فيما بين القاهرة ودمشق، يوجد بكلّ مركز من مراكزه عدّة من الخيول المعدّة للركوب - وتعرف بخيل البريد - وعندها عدّة سوّاس، وللخيل رجال يعرفون بالسّوّاقين، واحدهم سوّاق، يركب مع من رسم بركوبه خيل البريد ليسوق له فرسه ويخدمه مدّة مسيره. ولا يركب أحد خيل البريد إلاّ بمرسوم سلطاني، فتارة يمنع الناس من ركوبه إلاّ من انتدبه السّلطان لمهمّاته، وتارة يركبه من يريد السّفر من الأعيان بمرسوم سلطاني.
وكانت طرق الشّام عامرة، يوجد بها عند كلّ بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد وعلف وغيره. ولكثرة ما كان فيه من الأمن أدركنا المرأة تسافر من القاهرة إلى الشّام بمفردها - راكبة أو ماشية - لا تحمل زادا ولا ماء.
فلمّا أخذ تيمور لنك دمشق وسبى أهلها، وحرقها في سنة ثلاث وثمان مائة، خربت مراكز البريد واشتغل أهل الدّولة بما نزل بالبلاد من المحن، وما دهوا به من كثرة الفتن، عن إقامة البريد (٢)، فاختلّ بانقطاعه طريق الشّام خللا فاحشا؛ والأمر على ذلك إلى وقتنا هذا، وهو سنة ثمان عشرة وثمان مائة.
ذكر مدينة حطّين
هذه المدينة آثارها إلى اليوم باقية فيما بين حبوة والعاقولة بأرض العاقولة فيما بين قطية والعريش، تجاهها بميل ماء عذب تسمّيه العرب أبا العروق، وهو شرقيها (٣).
وهذه المدينة تنسب إلى حطّين، ويقال حطّي بن الملك أبي جاد المديني. وأهل قطية اليوم يسمّون تلك الأرض ببلاد حطّين والجفر.
وملك حطّين هذا أرض مصر بعد موت أبيه، وكان صاحب حرب وبطش، وكان ينزل بقلعة في جبال الأردنّ قريبا من طبريّة، وإليه تنسب قرية حطّين التي بها/ الآن قبر شعيب بالقرب من صفد (٤).
(١) ابن إياس: بدائع الزهور ٢٨: ١/ ١. (٢) راجع دراسة سوفاجيه الهامة عن بريد الخيول في العصر المملوكي Sauvaget، J.، La poste aus cheveaux dans.l'Empire des Mamelouks، Damas-IFEAD ١٩٤١ (٣) ياقوت: معجم البلدان ٢٧٣: ٢ - ٢٧٤ وفيه أنها موضع بين الفرما وتنيس. (٤) وهي الموضع الذي جرت فيه الموقعة المشهورة التي انتصر فيها صلاح الدين على جيوش الفرنج (الصليبيين)