مسجد قضاعة ثمانية عشر ميلا، ثم إلى بلبيس أحد وعشرون ميلا، ثم إلى الفسطاط مدينة مصر أربعة وعشرون ميلا (١).
فهذا كما ترى إنّما كان الدّرب المسلوك من مصر إلى دمشق، على غير ما هو الآن، فيسلك من بلبيس إلى الفرما في البلاد التي تعرف اليوم ببلاد السّباخ، من الحوف، ويسلك من الفرما - وهي بالقرب من قطية - إلى أمّ العرب - وهي بلاد خراب على البحر فيما بين قطية والورّادة، ويقصدها قوم من النّاس، ويحفرون في كيمانها فيجدون دراهم من فضّة خالصة، ثقيلة الوزن، كبيرة المقدار - ويسلك من أمّ العرب إلى الورّادة، وكانت بلدة في غير موضعها الآن، قد ذكرت في هذا الكتاب (٢).
فلمّا خرج الفرنج من بحر القسطنطينيّة في سنة تسعين وأربع مائة لأخذ البلاد من أيدي المسلمين، وأخذ بغدوين [Boldwin] الشّوبك وعمّره في سنة تسع وخمس مائة، وكان قد خرب من تقادم السّنين، وأغار على العريش - وهو يومئذ عامر - بطل السّفر حينئذ من مصر إلى الشّام، وسار يسلك على طريق البرّ مع العرب مخافة الفرنج، إلى أن استنقذ السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب بيت المقدس من أيدي الفرنج في سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة، وأكثر من الإيقاع بالفرنج، وافتتح منهم عدّة بلاد بالسّاحل، وصار يسلك هذا الدّرب على الرّمل (٣).
فسلكه المسافرون من حينئذ إلى أن ولي ملك مصر الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب، فأنشأ بأرض السّباخ، على طرف الرّمل، بلدة عرفت إلى اليوم بالصّالحيّة وذلك في سنة أربع وأربعين وست مائة، وصار ينزل بها ويقيم فيها، ونزل بها من بعده الملوك (٤).
فلمّا ملك مصر الملك الظّاهر بيبرس البندقداري، رتّب البريد في سائر الطّرقات، حتى صار الخبر يصل من قلعة الجبل إلى دمشق في أربعة أيّام ويعود في مثلها. فصارت أخبار الممالك ترد إليه في كلّ جمعة مرّتين، ويتحكّم في سائر ممالكه بالعزل والولاية وهو مقيم بالقلعة، وأنفق في ذلك
= آثارها باقية إلى اليوم على البحر بينها وبين الفرما سباخ ويوجد بها دراهم فضة كبار يظفر بها من يتتبّعها. ووجد بها في زماننا رجل مالا نحو عشرة آلاف دينار في قدر من … وغلب البحر بها على موضع منها فكشف عن عدّة حوانيت وجد فيها عدّة قطع من ذهب يشبه أنها كانت الصّاغة». كتب من الأصل. (١) ابن خرداذبه: المسالك والممالك ٨٠، ٢١٩ - ٢٢٠. (٢) انظر فيما تقدم ٤٩٩ - ٥٠٠. (٣) ابن إياس: بدائع الزهور ٢٨: ١/ ١. (٤) فيما تقدم ٥٠٠.