وفي هذه الأماكن جزائر عظام مسيرة أيّام، فيها الجبال والوحش والسّباع، ومفاوز يخاف فيها العطش. والنّيل ينعطف من هذه النّواحي إلى مطلع الشّمس وإلى مغربها مسيرة أيّام حتّى يصير المصعد كالمنحدر. وهي الناحية التي تبلغ العطوف من النّيل إلى المعدن المعروف بالشّنكة (a)، وهو بلد يعرف بشنقير، ومنه خرج العمريّ (b)) هو أبو عبد الرّحمن عبد اللّه بن عبد الحميد بن عبد اللّه بن عبد العزيز بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب (١)، كانت له في النّوبة والبجة حروب وهدم حبس أحمد بن طولون (b)، وتغلّب على هذه النّاحية إلى أن كان من أمره من كان.
وفرس البحر يكثر في هذه المواضع (٢).
ومن هذا الموضع طرق إلى سواكن وباضع ودهلك وجزائر البحر، ومنها عبر من نجا من بني أميّة عند هربهم إلى النّوبة (٣).
وفيها خلق من البجة يعرفون بالزّنافج انتقلوا إلى النّوبة قديما وقطنوا هناك، وهم على جملتهم (c) في الرّعي واللّغة لا يخالطون النّوبة ولا يسكنون قراهم، وعليهم وال من قبل النّوبة.
ذكر تشعّب النّيل من بلاد علوة ومن يسكن عليه من الأمم
اعلم أنّ النّوبة والمقرّة جنسان بلسانين كلاهما على النّيل: فالنّوبة وهم المريس المجاورون لأرض الإسلام، وبين أوّل بلدهم وبين أسوان خمسة أميال. ويقال إنّ سلها جدّ النّوبة، ومقرّي جدّ المقرّة، من اليمن. وقيل النّوبة ومقرّي من/ حمير. وأكثر أهل الأنساب على أنّهم جميعا من ولد حام بن نوح.
وكان بين النّوبة والمقرّة حروب قبل النّصرانيّة.
وأوّل أرض المقرّة قرية تعرف بتافة على مرحلة من أسوان، ومدينة ملكهم يقال لها بخراش، على أقلّ من عشر مراحل من أسوان. ويقال إنّ موسى - صلوات اللّه عليه - غزاهم قبل مبعثه في أيّام فرعون، فأخرب تافة، وكانوا صابئة يعبدون الكواكب وينصبون التّماثيل لها، ثم تنصّروا جميعا.
(a) بولاق: الشلة. (b-b)) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: حدتهم. (١) توفي بعد سنة ٢٥٥ هـ/ ٨٦٩ م، وترجم له المقريزي ترجمة حافلة في المقفى الكبير ٤٠٣: ٤ - ٤١٥، وفيما يلي ٥٣٤، ٥٤٠. (٢) انظر فيما تقدم ١٧٦. (٣) انظر المسعودي: التنبيه والإشراف ٣٢٩ - ٣٣٠.