للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[جسر الخليلي]

هذا الجسر فيما بين الرّوضة من طرفها البحري وبين جزيرة أروى، المعروفة بالجزيرة الوسطى، تجاه الخور. وكان سبب عمله أنّ النّيل لمّا قوي رمى تيّاره على برّ القاهرة في أيّام الملك النّاصر محمد بن قلاوون، وقام في عمل الجسر ليصير رمي التّيّار من جهة البرّ الغربي كما تقدّم ذكره، انطرد الماء عن برّ القاهرة، وانكشف ما تحت الدّور من منشأة المهراني إلى منية السّيرج. وعمل منجك الجسر الذي مرّ ذكره ليعود الماء في طول السّنة إلى برّ القاهرة، فلم يتهيّأ كما كان أوّلا، وجرى في الخليج الذي احتفره تحت الدّور من موردة الحلفاء بمصر إلى بولاق، وصار تجاه هذا الخليج جزيرة. والماء لا يزال ينطرد في كلّ سنة عن برّ القاهرة إلى أن استبدّ بتدبير مصر الأمير الكبير برقوق.

فلمّا دخلت سنة أربع وثمانين وسبع مائة، قصد الأمير جهاركس الخليلي عمل جسر ليعود الماء إلى برّ القاهرة، ويصير في طول السّنة هناك ويكثر النّفع به، فيرخص الماء المحمول في الرّوايا، ويقرب مرسى المراكب من البلد، وغير ذلك من وجوه النّفع. فشرع في العمل أوّل شهر ربيع الأوّل، وأقام الخوازيق (١) من خشب السّنط، طول كلّ خازوق منها ثمانية أذرع، وجعلها صفّين في طول ثلاث مائة قصبة وعرض عشر قصبات، وسمّر فيها أفلاق النّخل الممتدّة، وألقى بين الخوازيق ترابا كثيرا، وانتصب هناك بنفسه ومماليكه، ولم يجب من أحد مالا ألبتّة. فانتهى عمله في أخريات شهر ربيع الآخر (٢)، وحفر في وسط البحر خليجا من الجسر إلى زربيّة (a) قوصون.

وقال شعراء العصر في ذلك شعرا كثيرا، منهم عيسى بن حجّاج:

[الكامل]

جسر الخليلي المقرّ (٣) لقد رسا … كالطّود وسط النّيل كيف يريد

فإذا سألتم عنهما قلنا لكم … ذا ثابت دهرا، وذاك يزيد


(a) بولاق: زريبة.
(١) حاشية بخطّ المؤلّف: «الخازوق فاعول من الخزق، وهو الخرق؛ والمخزق عود طرفه محدّد؛ والخرق الشيء في الأرض، أي: ثبت.
(٢) جسر الخليلي كان ممتدّا في النّيل بين رأس جزيرة الرّوضة من بحريها، ورأس الجزيرة الوسطى (جزيرة أروى) من قبليها. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٢٦: ٩ هـ ٣).
(٣) حاشية بخطّ المؤلّف: «هذا معيب، إنّما يعبّر عن الرّجل بالمقرّ في مصطلح الإنشاء إجلالا له عن ذكر -