الوزير، وبلّغ الأمراء النّائب ما يقال عن منجك من كثرة جباية الأموال. فحدّثه في ذلك ومنعه، فاعتذر بأنّه لم يسخّر أحدا، ولا استعمل النّاس إلاّ بأجرة، وأنّ في هذا العمل للنّاس عدّة منافع وما عليّ من قول أصحاب الأغراض الفاسدة ونحو ذلك، وتمادى على ما هو عليه.
فلمّا جرى الماء في الخليج الذي حفر تحت البيوت من موردة الحلفاء إلى بولاق، مرّت فيه المراكب بالنّاس للفرجة، واحتاج منجك إلى نقل خيمته من برّ الرّوضة إلى برّ الجيزة، وأحضر المراكب الكبار وملأها بالحجارة، وغرّق منها عشرة مراكب في البحر، وردم التّراب عليها إلى أن كمل نحو ثلثي العمل، فقويت زيادة الماء، وبطل العمل.
فلمّا كثرت الزّيادة، جمع منجك الحرافيش والأسرى، وردم على الجسر التّراب وقوّاه، فتحامل الماء عن البرّ الغربي إلى البرّ الشّرقي، ومرّ من تحت الميدان السّلطاني وزربيّة (a) قوصون إلى بولاق، فصار معظمه من هذه المواضع، وحصل الغرض بكون الماء بالقرب من القاهرة. وانتهى طول جسر منجك إلى مائتين وتسعين قصبة في عرض ثمان قصبات وارتفاع أربع قصبات.
والجسر الذي من الرّوضة إلى المقياس طوله مائتان وثلاثون قصبة. وعدّة ما رمي في هذا العمل من المراكب المشحونة بالحجر اثنا عشر ألف مركب سوى التّراب وغير ذلك.
وكان ابتداء العمل في مستهلّ المحرّم، وانتهاؤه في سلخ ربيع الآخر. ولم تنحصر الأموال التي جبيت بسببه، فإنّه لم يبق بالقاهرة ومصر دار ولا فندق ولا حمّام ولا طاحون ولا وقف جامع أو مدرسة أو مسجد أو زاوية ولا رزقة ولا كنيسة، إلاّ وجبي منه. فكان الرّجل الواحد يغرم العشرة دراهم، ومن خصّه درهمان يحتاج إلى غرامة أمثالهما وأضعافهما. وناهيك بمال يجبى من الدّيار المصرية على هذا الحكم كثرة.
وقد بقيت من جسر منجك هذا بقيّة، هى معروفة اليوم في طرف الجزيرة الوسطى (١).